الجمعة، 10 مايو 2013

وضاع مشروع المصحة يا عاكف - بهيجة حسين



قضيت ست ساعات كاملة، بدأت في الحادية عشرة مساء وانتهت في الخامسة من صباح اليوم، قضيتها في كتابة مقالي الأسبوعي الذي كان من المفترض أن ينشر في هذه المساحة.
قضيت الساعات الست أشرح وأفيض، وأقدم الأدلة الدامغة على صحة استنتاجي الذي توصلت إليه منذ فترة، وتبلورت الفكرة، وقررت كتابتها لطرحها للمناقشة المجتمعية، بعدها نسعى لتنفيذها.
وفكرتي التي توصلت إليها وكتبت تفاصيلها هي أن اليمين المتطرف، المنتمي لتيار الإسلام السياسي من كافة الفصائل، مصابون بأمراض عقلية ونفسية، وأنهم يحتاجون إلى علاج من أمراضهم العقلية، وهذا ليس عيبًا، خاصة أن فصيلهم المؤسس، أو الجذر الذي نبتت منه بقية الفروع، هم الذين يحكمون ويتصدون للمشهد السياسي قولاً وعملاً، فهم يمثلون خطرًا على هذا البلد وعلى مستقبله؛ ولذا رأيت أن أطرح فكرتي، وهى السعي لعلاجهم في مصحات خاصة؛ لإعادة تعليمهم وتثقيفهم وتأهيلهم وإكسابهم مهارات جديدة تمكنهم من التعامل مع المجتمع والاندماج فيه، وتهذب ألفاظهم النابية ونظراتهم المقتحمة، خاصة تجاه النساء.
وقد كتبت في المقال، الذي لن يُنشر، تصوري عن المصحة، أو المصحات، التي افترضتها أن تكون بناء متسعًا محاطًا بالحدائق، يضم قاعات تعزف فيها الموسيقى، ومكتبات يقرأون فيها أدبًا وتاريخًا، وقاعات عروض سينما ومسرح، ومعارض فنون تشكيلية، وفي مرحلة لاحقة يقدم لهم عروض لفن الباليه.
أوليت أهمية في البرنامج الذي اقترحته لساعات مكثفة لقراءة تفسير القرآن من فقهاء العصور والمذاهب المختلفة، وفتح نقاش حولها مع متخصصين وأساتذة تاريخ؛ لأهمية وضع التفاسير في سياقها التاريخي. أيضًا وضعت في برنامج العلاج قراءة الديانات الأخرى السماوية والوضعية وفتح نقاش وحوار حولها؛ لأننا حتمًا سنصل للأسس الواحدة والمشتركة التي نسعى إلى ترسيخها، وهي القيم الأخلاقية والإنسانية في كل الديانات.
وسوف يقوم نظام المصحة على الاختلاط بين النزلاء؛ لأنهم -كما قلت- جميعهم قادمون من منطقة ذهنية وفكرية واحدة، بمعنى أنه لن يتم الفصل مثلاً بين من ينادون بالعلاج ببول الإبل، ومن يصلون ركعات شكر لله بعد أن تصلهم أصوات التفجير الذي خططوا له ونفذوه، وهم يهتفون بلفظ الجلالة وقلوبهم مفعمة بالرضا لأنهم أزهقوا أرواحًا تقربًا لله، كما صورت لهم ضلالاتهم الذهنية والفكرية.
لن يتم الفصل بين هؤلاء وبين من أفتى بزواج الطفلة في عمر التاسعة، أو ما يسمونه بنكاح الصغيرات إن أرادت أو مفاخذتها حتى البلوغ، ومن أفتى بنكاح الوداع، أي ممارسة الجنس مع الزوجة الميتة.
وسوف يقوم بالعلاج أطباء وطبيبات مصريون ومصريات، مواطنون، دون تفرقة بين لون أو عرق أو دين، المعيار الوحيد هو الكفاءة، وبنفس المعيار، أي الكفاءة، سوف يُشرف على الأنشطة رجال ونساء، وسوف يقومون بالتدريب على اكتساب مهارات جديدة، قد تكون قديمة وكامنة عند البعض، خاصة الشباب، إلا أنها قُمعت تحت قهر ذهني وعقلي يصور أن في ممارستها إغضابًا لله عز وجل، مثل كتابة الشعر والقصص والرسم والنحت.
بكل تأكيد سوف نولي الأنشطة الرياضية في المصحة اهتمامًا كبيرًا، وكذلك الرحلات للمناطق الأثرية في كل العصور.
أنهيت المقال وأنا مرتاحة البال ولسان حالي يقول: "وجدتها"، بدلاً من أن أظل أصرخ: "ده جنون" عند كل خبر أو سلوك أو فعل أو تصريح من هذا الفصيل، وأن أظل أردد: "لا يمكن حد عنده عقل يقول الكلام ده"، وأن أظل أناقش القواعد العلمية وأسس المنهج العلمي لمواجهة العلاج ببول الإبل والعلاج بالرقية الشرعية وأصرخ: "إنهم لا يحترمون العلم"، بل يكرهونه ويناصبونه العداء. 
بدلاً من كل هذا؛ ولأن الأمر أصبح يمثل خطرًا على هذا البلد، اقترحت فكرة المصحة. ووضعت قلمي وورقي، وكانت الخامسة من صباح اليوم التالي، وكان من حقي أن أنام. أخذت جريدة لأقرأ سطورًا تساعدني على النوم، وليتني ما فعلت؛ فكان ما قرأته لمهدي عاكف الذي نسف فكرة مقالي بعد أن قرأت تصريحاته الأخيرة بشأن أهلنا في سيناء، وقد وصفهم "بالعربان"، وقال نصًّا: "إن عربان سيناء فئات، فئة مع الموساد، وفئة مع أمن الدولة، وبيتصارعوا وعاملين قلق".
معروف أن مهدي عاكف لا يُمسك لسانه، وأن ما يعتقده بلا رتوش يطلقه. هرب النوم من عيني وغلى الدم في عروقي. وقد يقول قائل: وما الجديد؟ يعني دى حتبقى أبشع من مقولته الأشهر التي ستبقى بعد أن يفنى، التي هي "طظ في مصر"؟
لا، ليس الأمر كذلك، ولكنه قلّب عليَّ المواجع، تلك المواجع التي نسفت فكرة مقالي الذي لن يُنشر.
أشرقت الشمس وأنا أغلي من الغيظ، وأخبط كفًّا بكف، وأتذكر قول بديع، مرشدهم العام، لإسماعيل هنية رئيس وزراء حماس: "كنت أتمنى أن تكون رئيس وزراء مصر"، وكأن البديع لا يملأ عينه عقول مصر القادرة على حكم العالم.
مزقت ما سبق أن كتبته وأنا أردد: "ما هو عاكف قال إن الماليزي المسلم أقرب له من جاره المسيحي، تفرق إيه يعني عن الحمساوي اللي بديع عايز يعمله رئيس وزراء علينا؟".
لم أجد أمامي إلا كتابة هذه السطور، وليس أمامنا جميعًا إلا خيار مقاومة هذا الجنون، من أول "طظ في مصر" حتى العلاج ببول الإبل ونكاح الصغيرات.. مقاومة الاحتلال.

ليست هناك تعليقات: