الجمعة، 10 مايو 2013

رعرع أيوب: مصر تغتسل وتحتفل رغم أنف المتشددين - سليمان شفيق


احتفلنا منذ أيام بعيد القيامة المجيد وشم النسيم، ومن قبلهما أسبوع الآلام الذي يحتوي على أحداث وتذكارات كثيرة، تأملت عادات المصريين الاحتفالية وعلاقتهم التحتية ببعضهم البعض، وكعادتي أعيش تلك الأيام بمسقط رأسي بالمنيا (220 كيلو جنوب العاصمة)، في أربعاء أيوب كان البائع ينادي بصوت ريان: "رعرع أيوب بالشفا يا ناس" التف حول البائع الصبية يهتفون :"رعرع أيوب يشفي من المرض يخفف الذنوب" هرولت إلى الشارع سريعا كانت طفولتي تركض أمامي، ذلك الصباح اقتربت من الصبية، وقلبي يكرر الهتاف معهم سألت أحدهم، وهو يناول البائع خمسة وعشرين قرشًا ويأخذ حزمة "ما اسمك يا حبيبي؟" أجاب: "محمود" عاودت السؤال: ابن مَنْ؟ أجاب: ابن أحمد العجلاتي واشتري له الرعرع لأنه مريض، تركت الصبية، واتجهت إلى المنزل فتحت كتاب: "مقدمة في الفولكلور القبطي" للصديق عصام ستاتي. حيث يفسر الكتاب هذه الظاهرة بالقول: "التسمية تعتمد على الاعتماد الشعبي السائد بأن أيوب اغتسل مدلكًا جسده بنبات أخضر يسمى الرعرع فشفي من أمراضه، وكان ذلك في يوم الأربعاء هذا فنسب له، وهو ما يعرف لدى الجماعة الشعبية بقصة أيوب المصري، والذي جمعها زكريا الحجاوي، وقدمتها خضرة محمد خضر بصوتها على الإيقاع المعروف بإيقاع أيوب، واعتادت مجتمعات البحث وخاصةً الريفية الاحتفال بهذا اليوم بالاغتسال والتدليك بنبات الرعرع، وأيضًا يقوم بعض الشباب بالاغتسال بـ"غطس" في النيل، ويقوم البعض الآخر بغسل وجهه فقط وباستخدام الأعشاب الخضراء الموجودة على الشاطئ، أما الأغلبية من الناس فيغتسلون في المنزل مستخدمين نبات الرعرع أو النعناع أحيانًا يوضع في الماء المستخدم في الاغتسال، ولابد أن يرش ماء الاغتسال داخل المنزل وخاصةً أمام الأبواب، مستخدمين في ذلك فروع النبات الأخضر تغمس (تغطس) في الماء ويذبل بها". 
وقد ارتبط هذا اليوم ونسب إلى أيوب النبي، وهناك وجهتا نظر لتفسير هذا الارتباط، إحداهما وتمثل وجهة النظر الدينية، حيث تقرأ في الصلوات الكنسية التي تقام في مساء هذا اليوم قصة أيوب البار، كما ذكرها العهد القديم (التوراة)، وترمز قصة هذا البار إلى السيد المسيح، في الآلام والتجارب، وأيضًا في النهاية السعيدة، لذا ينسب هذا اليوم له فيُقال أربعاء أيوب، وتحرص الجماعات القبطية على أداء هذه الممارسة وتمسكهم بها، ولعل ذلك يرجع إلى إحساسهم بمشاركة أيوب أفراحه بالشفاء بعد طول مرض أو كأنهم بهذا الاغتسال، وبهذا العشب يطلبون الشفاء من أمراضهم واستكمال الصحة الجيدة، كما حدث مع أيوب، وهنا ليس شفاء جسديًا فقط بل شفاء معنويًا، شفاء بمعنى التخلص ليس من المرض ولكن من الذنوب، ولعل استخدام رموز لها مكانتها الشعبية يدعم هذا الاعتقاد ويقويه. كما أنهم لا يتخلصون من الماء بسهولة فهو يرش في المنزل ليبقى أطول فترة ممكنة فيه طلبًا لقوته وفاعليته الصحية والمنوية.  
وفي الخميس العهد والجمعة العظيمة أعدت زوجة أخي الفول والطعمية في أكياس وذهب ابن أخي الفنان والمونتير ميشيل يوسف لتوزيع هذه الأكياس على أصدقائنا من المسلمين الذين في سبت النور يردون التحية بإرسال الترمس واللحم، وفي شم النسيم البيض الملون، تذكرت والدتي رحمها الله التي أورثتنا عن أجدادنا تلك العادات النبيلة، تبادل التهنئة وتبادل الطعام اللحم في عيد الأضحى الحلو في عاشوراء الكحك في عيد الفطر، والشيء بالشيء يذكر، وفي يوم الأحد عيد القيامة لم يكف التليفون عن الرنين ولا المنزل من الزوار للتهنئة وتبادل الذكريات، بالمناسبة كل المهنئين من أشقائنا المسلمين الذين غمرونا بالحب الغريزي الالهي، مع الاعتذار لفتاوى أشقائنا السلفيين أو لمفتي الجماعة الشيخ عبد الرحمن عبد البر الذين أفتوا عن جهل بالمصريين بعدم جواز تهنئة المسيحيين.
ازدحام المنزل في يوم العيد جعلني أعتقد أن كل من أفتى تلك الفتاوى لا يجهل فقط الشعب المصري ولا الإسلام فحسب بل يجهل الفطرة الإنسانية، كل مهنئينا من أشقائنا المسلمين يدركون المعنى الحقيقي للقيامة، وهو قيامة الوطن والانتصار على الموت الذي تريد بعض أبواق الظلام فرضه علينا كشعب واحد وجسد واحد لا يعنيهم الخلاف العقيدي بل جاءوا ليؤكدوا أن الوطن لن يقوم من مواته إلا بالانتصار على الكراهية والفقر والظلم والمرض، هذا هو شعبنا العظيم الذي يؤكد دائما أن مثل تلك الفتاوى خطر حقيقي على المشروع الإسلامي ذاته، وكل عام وأنتم بخير.

ليست هناك تعليقات: