السبت، 18 مايو 2013

هل سيكرر مرسي سيناريو طنطاوي مع السيسي؟



مديحة عمارة



يقول الخبر: «اختطف مجهولون في شبه جزيرة سيناء 7 جنود بينهم 6 من المجندين من قوات أمن الشرطة، ومجند بقوات حرس الحدود التابع للقوات المسلحة، وأن الحادث وقع على طريق العريش - رفح، عند منطقة الوادي الأخضر».. ثم وسريعًا -وقبل أي بحث أو تحريات- صرح مصدر أمني أن الخاطفين من بدو سيناء!..
والخبر يذكرنا بالحادث البشع الذي وقع في شهر أغسطس الماضي، حيث قتل في رفح في ظروف غامضة 16 ضابطًا وجنديًّا من قواتنا المسلحة، في هجوم شنه مجهولون لم يتم الكشف عنهم والوصول إليهم حتى الآن!، رغم أن أصابع الاتهام تشير إلى أن مرتكبي الهجوم الوحشي ينتمون إلى الجماعات الإرهابية المسماة بـ«الجهادية»، المنتشرة في سيناء وداخل قطاع غزة.. وهو الحادث الذي في أعقابه مباشرة فاجأ الرئيس مرسي الجميع بإلغاء الإعلان الدستوري المكمل، وإقالة المشير حسين طنطاوي، رئيس الدفاع آنذاك، وإقالة رئيس الأركان الفريق سامي عنان، في ظل ظروف ضمنت له عدم توقع لاحتمالات وجود أي ردود أفعال من الشعب أو داخل الجيش ترفض الإقالة أو حتى تناقشها.. 
واليوم، ووسط حالة من التوتر -يعلمها القاصي والداني- بين المؤسسة العسكرية ومؤسسة الرئاسة، تأتي حادثة الاختطاف للجنود لتطرح العديد من الأسئلة: 
كيف يتم اختطاف الجنود السبعة بهذه البساطة وهم في طريق عودتهم من إجازاتهم؟ وهل حقًّا أن بدو سيناء هم من قاموا باختطافهم للمطالبة بالإفراج عن سجناء لهم في قضايا جنائية؟.. وكيف توصل المصدر الأمني بهذه السرعة غير المسبوقة إلى أن الجناة من البدو؟ وهل هي محاولة للوقيعة بين الجيش وبدو سيناء؟ هل توقيت الحادث جاء بالصدفة، في ظل حالة التوتر الواضحة بين المؤسسة العسكرية ومؤسسة الرئاسة، هذا التوتر وهذه الحالة من الاحتقان الواضحة والبادية في الكثير من المواقف والتصريحات المتضاربة ما بين الجيش ومؤسسة الرياسة بل والرئيس مباشرة؟ أم أن الحادث مدبر والتوقيت محسوب ومخطط له حتى يتم ضرب الجيش وقياداته في مقتل -كما يقال- لإضعاف موقفه وهز صورته؟.. 
بعدها يتكرر سيناريو إقالة طنطاوي وعنان، ويتم الإطاحة بمن يراد الإطاحة به من قيادات الجيش التي يرى مرسي وجماعته شوكة قوية تتطلب إضعافها وكسرها ثم التخلص منها بهدوء، سواء أكانت هذه القيادات تتمثل في الفريق أول عبد الفتاح السيسي نفسه، أو الفريق صدقي صالح رئيس الأركان، الذي تحدثت الأخبار بالفعل عن مطالبة الرئيس مرسي للفريق أول عبد الفتاح السيسي بعزله من منصبه كرئيس للأركان بعد تصريحاته القوية في أبو ظبي، والتي قال فيها: «الجيش عينه على ما يدور في مصر.. وإذا احتاجنا الشعب سنتدخل في ثوان.. وإن القوات المسلحة وقفت بجانب الشعب، وهذا هو سر العلاقة الوطيدة بين الشعب وجيشه منذ قديم الأزل..»، وقال: «إن القوات المسلحة لا تنتمي لأي فصيل من الفصائل، ولا تمارس السياسة حاليًّا، ولكن عينها دائمًا على ما يدور داخل الدولة، وإذا احتاجها الشعب ستكون في أقل من الثانية في الشارع».. 
بعد هذه التصريحات طلب الرئيس مرسي من الفريق أول السيسي عزل الفريق صدقي صالح من موقعه كرئيس للأركان، لكن الفريق السيسي رفض الإذعان لهذا الطلب الغريب في توقيته!.. أو أي قيادات أخرى يرى مرسي وجماعته ضرورة التخلص منها!  
والسؤال هنا للمرة العاشرة: إلى متى سيستمر الجيش هكذا في هذه الحالة التي أصفها هنا -كما وصفتها في مقالتي السابقة- بالصبر، والتي يصفها الناس العاديون  بالضعف؟
 الناس قد أصابها الإحباط، خصوصًا بعد التصريح الأخير للفريق السيسي حول عدم تدخل الجيش في الحياة السياسية.. وهو التصريح الذي وجد فيه المواطنون العاديون تراجعًا من الجيش عما أصبح يمثل الأمل والرجاء للكثيرين من شعب مصر، ألا وهو تدخل الجيش لإنقاذ مصر وانتشالها من بين براثن جماعة الإخوان المسلمين، الذين ألحقوا بمصر الخراب والدمار على أصعدة كثيرة مختلفة، سواء اقتصاديًّا أو أمنيًّا أو سياسيًّا أو في إطار الوحدة الوطنية، أو فيما يخص المتطلبات البسيطة الأساسية لحياة الإنسان المصري.. 
وإن كنت على الصعيد الشخصي لا أتفق مع حالة الإحباط والغضب التي أصيب بها الكثيرون عقب سماعهم لتصريح الفريق السيسي، ولم أر فيه تراجعًا أو تخليًا عن وعد تم تقديمه والتأكيد عليه مرارًا وتكرارًا من الفريق السيسي نفسه، حول عدم تخلي الجيش أبدًا عن دوره تجاه مصر وشعب مصر، وأنه لن يكون إلا في صف الشعب، مدافعًا عنه، حريصًا على أمنه وأمانه.. 
هذا الوعد الذي لم يخل منه التصريح الأخير للفريق السيسي، رغم ما فيه من جمل بدت مختلفة وجديدة في صياغتها؛ فأحدثت هذه الحالة من البلبلة في الفهم لدى المواطن، وصولاً إلى الإحساس بالإحباط، لكن الحقيقة، وبعد قراءة ما بين السطور، أن التصريح الأخير هو وكل التصريحات السابقة سواء، ولا يوجد أي تراجع أو اختلاف في موقف الجيش، ولا أي تخلٍّ عن الوعود السابقة، والاختلاف فقط جاء في الصياغات اللغوية للجمل..
لكن -ومع ما سبق- فإنني أعيد وأكرر سؤالي: لماذا كل هذا الصبر من الجيش -وهو في يقيني المنقذ الوحيد لمصر الآن- على جماعة يحكمنا رئيس منها، تأخذنا، ويأخذنا ومصر، إلى طريق الهلاك؟!.. كيف بالجيش يرتضي أن يتم قتل 16 ضابطًا وجنديًّا يتناولون إفطار رمضان وهم على أرض وطنهم، وليسوا في موقعة حربية ولا في تراشق عسكري مع عدو؟!.. كيف بالجيش يرضى بهذا التخاذل المخزي من الرئيس مرسي تجاه هذه الجريمة البشعة، وكأن الـ16 ضابطًا وجنديًّا ليسوا من جنود مصر بل مجرد عدد من الخرفان تم ذبحهم وإراقة دمائهم وانتهى الأمر؟!..
ثم يتكرر الأمر ويتم اختطاف 7 مجندين من قوات الأمن، منهم مجند من جنود القوات المسلحة، وهم على أرض سيناء! وكأن سيناء أصبحت مرتعًا للإرهابيين والقتلة والخاطفين وقاطعي الطرق يستهدفون جنود مصر على أرض بلدهم، ورئيس مصر صامت عاجز بشكل جالب للعار والهوان!.. ويفاجئنا رئيس الدولة بقول يثير الضحك والرثاء وهو يصرح بما معناه أنه يتعهد بتوفير الحماية للمخطوفين وللخاطفين!.. ولا أدري كيف يمكن التعهد بحماية الخاطف المجرم؟! 
ثم يزيد الطين بلة بهذا التصريح الذي خرج عن الرئاسة متضمنًا لفظًا غير لائق على الإطلاق، حيث يقول المتحدث باسم الرئاسة إن الرئيس مرسي قام بـ"استدعاء" وزير الدفاع  بعد حادثة الاختطاف، موحيًا بلفظ (استدعاء) هذا إلى أن وزير الدفاع قد تم استدعاؤه لمحاسباته على الحادثة، وكأن هناك تقصيرًا كان يخص تأمين وحماية الجنود السبعة مسئولة عنه المؤسسة العسكرية، متناسيًا أن الجنود كانوا في طريق عودتهم من إجازاتهم  وليسوا في مواقعهم.. كما أن 6 من الجنود تابعون للداخلية وليس للجيش، فما هو موقفه من وزير داخلية جماعته؟!
وهنا لا بد من الإشادة بموقف الفريق أول السيسي في مواجهة أمر (الاستدعاء) هذا، وعدم تلبيته له.. وخروج المتحدث العسكري مصرحًا بأن الفريق السيسي لم يغادر مكتبه ولم يتجه لمقر الرئاسة كما تردد، بل إنه توجه إلى غرفة العمليات بوزارة الدفاع لمتابعة عملية الجنود السبعة عن قرب؛ من خلال الاتصالات بقوات حرس الحدود والمخابرات الحربية وقوات الجيش الثاني المتواجدة بسيناء، فهذا التصريح الذي خرج عن المتحدث العسكري المسئول، نيابة عن الفريق السيسي، لهو خير رد على رئيس لا يعرف الشكل اللائق عند مخاطبة قيادات جيش مصر!
والمنتظَر الآن موقف أكثر حسمًا، وأكثر شفافية، من الجيش أمام الشعب إزاء كل هذه (المساخر)، التي تحدث من رئيس وجماعته، لا أدري إلى أي درجة من الهاوية هم بمصر ذاهبون! 

ليست هناك تعليقات: