الجمعة، 10 مايو 2013

العزف مع حركة (كتالة) النوبية (5)..وعادت لمصر شمسها الذهب


المبهر أن الغزو الهكسوسي الثاني او الحجازوتي أو العربي قد مر عليه حوالي أكثر من ألف وأربعمائة عام، ولازال جنوب مصر يحتفظ بلغته القديمة وبعزته وعطائه لوطنه وإخلاصه له، قدم النوبيون لمصرهم الغالي والنفيس، وحفظوا لها حدودها الجنوبية بتواصلهم النسيب مع بقية العروف النسبية بامتداد فروع النيل في بطن أفريقيا، في وئام ومحبة وتسامح وقرابات ونسابات لم تسمح بالتفكير في أي عدوان يأتي مصر من الجنوب، الذي كان هو الحد الآمن بين حدود مصر الأربعة عبر التاريخ، وعند تهاوي وتفكك أسر الشمال أمام غزو لوبي (ليبي) تقدم أهل النوبة التي كانت تعرف أيضاً بأرض كوش ليطردوا الليبيين ويقيموا الأسرة الكوشية الحاكمة. 
لذلك أيضاً ظلت الكنائس في حوض النيل حتى كنيسة أثيوبيا العريقة تابعة بكل فخر للكنيسة المرقسية الأرثوذوكسية المصرية، وكان البابا لهم كلهم هو بابا الكنيسة المصرية، وظل الأمر كذلك حتى قفز عسكر يوليو على السلطة، واتجه عبد الناصر نحو العروبة والعرب والوحدة العربية، وهو ما أدى بداية إلى انفصال السودان عن مصر بعد أن كانتا مملكة واحدة، كنا نهتف باسمها بالمدرسة عند تحية العلم (تعيش مملكة مصر والسودان حرة مستقلة)، وتتالت الكوارث لتنفصل كنيسة أثيوبيا وتختار لها باباً من بلادها، ومع ابتعادنا عن أصولنا ونسبنا وعراقة أهل نيلنا وإهمال بُعدنا الإفريقي، أصبحت مصر اليوم مهددة في شريان حياتها، بعد أن كانت تبني سدودها في دول أفريقيا لتكون زاداً لهم ولنا، بأموال مصرية وعمالة وهندسة مصرية. إن أفارقة شريان النيل لم ينفصلوا عن مصر إلا بعد أن انفصلت عنهم مصر، وقالوا قولهم الأشهر: ليأتوا بنهرهم إذن من جزيرة العرب.
وفي الزمن الناصري، ترك المصري الأصيل النوبي أرضه إلى مقرات خرسانية صحراوية تعسة أنشأها لهم الحكم العسكري لنبني سدنا العالي، عن طيب خاطر، فكانت مكافآتهم إهمالاً لا يغتفر ولن يغفره التاريخ أبداً، بعد أن أخذ الشمال رفاه السد العالي، ولم يعط للجنوب شيئاً، رغم أن مينا موحد القطرين كان من الجنوب، وأن سقنرع وكاموس وأحمس محرري مصر من الهكسوس خرجوا من الجنوب، وعندما قرر حسني مبارك إقامة مشروع توشكى في الجنوب قام بتمليكه لسليل الحجازيين، بينما كان الأولى به هم أهل النوبة قبل أي إنسان أو كائن آخر.
من جانبهم، ظل الأقباط يقدمون الالتماسات ويرفعون المطالب لحكام مصر لينالوا حظوظ المسلمين في وطنهم، لينالوا المساواة وهم الأصل مع غير الأصيل الذي أصر على التسيد والسيادة بإخضاع الأقباط لتمييز بغيض لإثبات استمرار الاحتلال والعبودية، فتتابعت هجراتهم إلى خارج مصر ليعلوا صوتهم في بلاد الحريات يطلبون حقوقهم في وطنهم فلم يلقوا منا سوى الردود المعتادة عن العمالة وخيانة الوطن لضرب مصر وتقسيمها، وهو ذات الكلام الذي قاله سويلم اللواء الأبيض الأبلج السمين رداً على تكوين النوبيين حركة (كتالاً)، رغم أن حكام مصر الحاليين من خصيان الحجازوت سمن على عسل مع أمريكا وبني عمومتهم الإسرائيليين، فإسماعيل هو أخو إسحق، أما المصريون فقراباتهم تقع في الجنوب ولا علاقة لهم ولا نسب ولا صهر ولا عقيدة مع بني إسرائيل، أما العربي والعبري فهم بالمسمى واحد، وبالأصل العنصري واحد، وبالأصل اللغوي واحد، وبالمنبت والمنشأ المكاني واحد، وثقافتهم الدموية واحدة ومتطابقة تطابقاً كامل التمام.
إن ما تعرض له الاقباط والنوبيون تنوء به الجبال الرواسي، لذلك ما إن لحقت كرامتهم تعريضات خصيان الحجازوت، ولم يجدوا لهم مكاناً بعد أن أحيت ثورة 25 يناير المجيدة آمالهم في مساواة وعدل وحرية وخبز ومسكن وعلاج وكرامة إنسانية، لم يجدوا لأنفسهم مكاناً في سياسات الحكومة الإسلامية التي ركبت الثورة واستولت علي الوطن إلا من باب اللمم، لذلك قرر النوبيون أن يرفعوا إنذارهم في شعار يقابل شعار الإخوان، رشاشين مقابل السيفين.
عربنا المسلمون مع استقلال البوسنة عن بلادها، ومع استقلال الشيشان عن روسياها، ومع استقلال كشمير عن هندها، لكنهم ضد كل من يرفع صوته طالباً المساواة حتى يكون مواطناً بالفعل في وطنه، ويتهمونه بالرغبة في الانفصال فيكون عبداً آبقاً عن سيده، وتاريخ العرب حتي في جزيرتهم يؤكد لنا أنهم من يرتكب جريمة الانفصال لإصراره على أن يكون هو السيد بلا شريك ودون مساواة، فمنذ فجر الإسلام بعد موت النبي اجتمع عرب يثرب في سقيفة بني ساعدة واختاروا أبا بكر دون حضور بقية العرب وممثلهم ليشاركوا في الشورى، فقرر العرب عصيان حاكم لم يختاروه بمنع الزكاة عن العاصمة، فاعتبروهم انفصاليين، بينما الانفصاليون الحقيقيون كانوا سادة وسكان العاصمة يثرب عندما قرروا وحدهم واختاروا ونفذوا دون بقية العرب.
الآن يعيد التاريخ نفسه، الإسلاميون يريدون السيادة والانتقاص الحقوقي من غيرهم لأنه لا يمكن أن يتساوى المسلم وغير المسلم، لذلك يُقصون غيرهم من المسيحيين، ويسمون تجويد قراء مصر النوادر والنوابغ بالغناء، ويأتون من البوادي بالحذيفي والعريصي وأبو شبت، وينسبون الكفر للعلمانيين والليبراليين ليتمكنوا من إقصائهم واستتباعهم، ويكفرون الشيعة لأنهم روافض لا يتساوون مع النواصب، وينصون في الدستور على مذهب أهل السنة والجماعة دون غيره، ويُقصون النوبيين ويهينونهم لأنهم (رُماة الحدق) التاريخيين المستعصين على العبودية، ويُقصون البهائيين لأنهم كافرون، الإسلاميون إذن هم من ينفصلون عن بقية الوطن بسبب إصرارهم على عدم تساوي بقية المواطنين معهم، فيشرخون الوطن، حتى ينقسم القضاء وتنقسم النيابة وتنقسم الشرطة ويصبح معظم الشعب كافراً، وينقسم الوادي لشمال وجنوب، وينقسم الشمال إلى بدو سيناء وسكان دلتا وسكان الغرب المطروحي، حتي اللعب بالكرة أصبح فيه فريق الساجدين وغيرهم من غير الساجدين، والوادي ومدن القناة، وبورسعيد والقاهرة، أصبحنا فرقاً ستنتهي، بالضرورة والحتم، إلى فريقين: فريق القاتلين وفريق المقتولين، وهو مابدأ بالفعل منذ أحداث الناديين الأهلي والمصري وماتلاها والحبل على الجرار. 
ساكن الاتحادية وعشيرته هم سقيفة بني يعرب في مصر، والأعراب أشد كفراً ونفاقاً، هم الذين انفصلوا عن الشعب المصري، ولم ينفصل مصري واحد عن مصره، وعندما قرر أهل السقيفة الجدد جعل الرابط القيمي لسلم قيم الوطن هو الدين الإسلامي والمذهب السني وحدهما، مزقوا الوطن، فللقيم المجتمعية سلم له قائمتان ودرجات تربط القائمتين، ويتم رص القيم على هذه الدرجات حسب الأولويات، الأولى هي الدرجة الرابطة لقائمتي السلم، فإن جعلنا الرابط ديناً دون بقية أديان المجتمع ومذهبا دون بقية المذاهب، فلابد أن تنفصل القوائم وتنهار الدرجات ويتمزق المجتمع وتسقط الدولة ويحارب الشعب بعضه بعضا، بينما المجتمعات السوية السليمة المتماسكة تضع رابطها المشترك بين جميع المواطنين الذي يربط قائمتي سلم القيم هو الوطن، لأنه أرض مشتركة للجميع وتاريخ مشترك للجميع، وحدود واضحة للجميع، وطموحات وآمال مشتركة بين الجميع وماض واحد ومستقبل واحد، فإن تم استبعاد هذا الرابط ووضع الإسلام أو أي دين آخر مكانه، فلابد أن يذهب الأقباط لدينهم ليجدوا مكاناً، ويذهب النوبيون، ويذهب السيناويون، ويذهب الصعايدة، ويذهب البحاروة، ويذهب البورسعيدي، ويذهب السويسي، ويذهب السنة، ويذهب الشيعة، ويذهب البهائيون، ... وتنفجر مصر شظايا .
إن الاسم المصري القديم الذي اختاره النوبيون لحركتهم التي سترفع السلاح إذا استمر الإخوان في تحديهم للوطن والمواطنين، هي (كتالة) بكسر الكاف، وكتالة كلمة مصرية قديمة تشير إلى النسيج الرابط لسهام القتال، ونطقها اللسان العبري الأخنف المهاجر من مصر (كتانة)، لأن جراب الأسهم كان يصنع من نسيج الكتان، وهو النسيج المصري الأشهر والأجود في العالم القديم، وعنهم نقلها العرب ونطقوها (كنانة)، وتحمل ذات الدلالة فهي حاملة الأسهم، لكن الاسم ظل يحمل في طياته أصله المصري الأصيل، فللكنانة (الكتانة/ الكتالة) في لغة العرب مدلول ثان لا يفارقه هو: أرض أو بلاد الكنانة، وهي أرض رماة الحدق بالأسهم المحمولة في الكتانة، وحاملو الكنانة أو الكتانة في حديث نبي الإسلام هم خير أجناد الأرض، أجناد أرض مصر. 
إذن عاشت الكنانة/ الكتانة/ كتالة النوبة وكتالة الأقباط وكتالة الصعيد وكتالة مطروح وكتالة الشيعة وكتالة البهائيين وكتالة العلمانيين، كتالة الوادي كله التي تم تنفصل إحداها يوماً عن الكنانة حتى ركبها الإخوان ليفجروها شظايا، فاستحقوا أن نرفع في وجههم الكتالة. 

ليست هناك تعليقات: