الجمعة، 10 مايو 2013

العزف مع حركة كِتالة النوبية(2)…. الإخوان وأهلنا في النوبة


على قناة دريم استضاف برنامج العاشرة مساء قيادة من قيادات حركة (كِتالة/ بكسر الكاف) النوبية ، ورد الشاب الأسمر الثلاثيني على السؤال بشديد الوضوح ودون أن يتحرج أو يتلعثم، وسأسمح لنفسي هنا بتبني هذه القضية مستعينًا بما قدمه النوبي عن انفعال وتوتر لا يخفيان. قال الرجل الصلب مقدمًا حجته القوية إنهم حركة مسلحة تم تكوينها للدفاع عن كرامتهم التي لا يساومون فيها، وأن امتهان كرامة المصريين كان هو السبب الرئيسي في قيام ثورة 25 يناير المجيدة، وإذا كانوا قد تسامحوا في حقوقهم وقدموا لمصر أرضهم التي امتلكوها ألوف السنين عن طيب خاطر لتغرق تحت مياه النيل، ومعها رفاة أجدادهم في مقابرهم التي تركوها، حتى يتم بناء السد العالي، وإذا كانوا قد تسامحوا عندما نسيهم أهلهم في الشمال مع الحكومات المتعاقبة، وذهبت تضحياتهم هباء ودون ذكر ولا تذكرة بهم كما لو كانوا مجرد أشياء تم نقلها، كما تم نقل بعض الآثار لحمايتها من الغرق، وإذا كانوا طوال الزمن الماضي يقبلون بسلام واحترام للوطن رغم معاناتهم وأوجاعهم، ويكتفون برفع المطالب الحقوقية وشرح المظالم التي لحقت بهم لكل حكومة، ولا يأخذون سوى مزيد من الوعود الباطلة وغير المحترمة قياسًا على ما قدموه لوطنهم من تضحيات تحمل كل معاني الاحترام، فإن قيام الإخوان المسلمين بإهانة الكرامة النوبية، فهذا وحده يكفيهم لرفع السلاح دفاعا وذودا عن كرامتهم، فليسوا أقل من عرب سيناء الذين رفعوا السلاح فتنبه لهم الجميع ووضعوهم بالحسبان والاعتبار، وإذا كان شعار الإخوان سييفين متقاطعين بزعم الجهاد في سبيل الله، فقد رفعوا شعارهم: رشاشين متقاطعين للجهاد في سبيل الوطن حقا وليس زعما.
على الهاتف جاء صوت الخبير الاستراتيجي سيادة اللواء السمين الذي يضج وجهه دما وبياضا ونعمة، ليكيل التهم لأهل النوبة الممصوصين جوعا الملفوحين بشمس الجنوب، مع اكتشافة الاستراتيجي الجلل أنهم يعملون على الانفصال عن مصر بدليل استعدادهم للقتال، وأنه يعرف عن ثقة أن وراءهم المؤامرة المزمنة في عقول خبرائنا الاستراتيجيين، والتي يحيكها لمصر العدو الصهيوني وتمولها الإمبريالية العالمية!! مع بعض المحفوظات الاستراتيجية التي أصبحت كوميديا رخيصة وهازلة ومُقرفة. ورد الشاب المعجون بطمي النيل الأسمر أنهم يتحدثون على المكشوف، ولا يقيمون ميليشيات لتدمير الوطن في الخفاء كالإخوان، هنا كان على السيد اللواء الخبير أن يقدم وثائق عمالتهم للأجنبي، وأن يوجه خبرته الاستراتيجية نحو قصر الاتحادية، ونحو مقر الإخوان بالمقطم، فتبعية قصر الاتحادية للأمريكي واضحة كالشمس، وسفريات مقر المقطم إلى بلاد العم سام معلنة غير خفية، وخطاب ساكن الاتحادية لصديقه العظيم بيريز معلوم منشور تعرفه كل الدنيا، واستخذاء الإخوان أمام إسرائيل مقارنة بهتافاتهم قبل التمكين ضد نظام مبارك، وضرورة قطع العلاقات الدبلوماسية وطرد السفير الإسرائيلي وإلغاء معاهدة السلام دليل واضح كالنهار، لأنهم لما تمكنوا لا قطعوا ولا طردوا بل عمقوا وتصادقوا وأمنوا إسرائيل لأول مرة تأمينا حقيقيا مع فرعهم الغزاوي الذي انفصل عن دولته الأم، ويعمل على انفصال سيناء عن مصر، فالانفصاليون الحقيقيون هم الإخوان والعملاء الحقيقيون هم الإخوان، وليس أهل النوبة، لأنهم المصريون الأصلاء منذ فجر التاريخ وهم أخلاف الفراعين العظام دون منافس.
كان سكان النوبة أو (نوبت/مجلب خام الذهب زمن الفراعين، حتى أسمى المصري القديم معدن الذهب باسم نوبت)، هم حراس حدود مصر الجنوبية عبر التاريخ، بصلاتهم النسيبة وقراباتهم ومشتركهم في العادة والتقليد والعرف ونظام المجتمع مع أفارقة الجنوب، فكان الباب الجنوبي لمصر يعيش سلاما من لون خاص لم يعرفه الشمال، وبعد نزعهم من أرضهم لبناء سد أسوان، ثم نزعهم مرة أخرى لبناء السد العالي، تم تهجيرهم بعيدا عن نيلهم شريان حياتهم إلى بيوت في الصحراء تهالكت في عدة سنين، وقدموا الاحتجاجات والمظالم عبثا ودون رجاء ودون أن ينالوا حظوظ الشمال الذي عاد السد العالي عليه بالخير دون الجنوب، وتمت تسمية البحيرة التي غمرت موطن أهل النوبة وتحتها مقابر أسلافهم باسم بحيرة ناصر، ثم غيروا اسمها إلى بحيرة السد العالي، بينما كان يجب أن يطلق عليها بحيرة النوبة عن جدارة واستحقاق، وبعدما استثمر الإسلاميون ثورة شباب الغضب وحققوا حلمهم القديم في التمكين، دخل الإخوان مع أهل النوبة إلى مُنحنى مُنحدر زلق خطر على الوطن كله، عندما بادءوا أهل النوبة بالتبخيس في كرامتهم بل وفي نزع المواطنة المصرية عنهم.
بدون سبب واضح تحدث الرئيس مرسي في أول خطاباته عن أهل النوبة بالتعبير (الجالية النوبية)، وهو ما أثار ردود فعل غاضبة ومستنكرة عند كل المصريين، وكان أشدها بالطبع عند سكان النوبة. وتخفيفا لوقع العبارة المارقة قام المبررون يفسرونها بحسبانها زلة لسان غير مقصودة، أو ما نسميه في علم النفس الفرويدي (الفلتات اللسانية)، وهي في هذا العلم لا تصدر عن قائلها عبثًا كما يبدو من المُسمى، إنما تعود لأسباب وراءها تكمن في لاوعي القائل، وتكون مستقرة في لا شعوره وتخرج منه عفو الخاطر لتفضح مكنون ضميره المخفي.
كان يمكن أن ينتهي الأمر عند هذا الحد، لكن يبدو أن أهل النوبة يشكلون مشكلة لحكام مصر الجدد، وأن الرئيس مرسي عندما اعتبرهم جالية، أي أجانب، كان يقصد ذلك قصدا، فقد أتبعة القطب الإخواني (حسين عبدالقادر) ليقدم لنا تقريرًا مفاده أن أهل النوبة هم من عنصر البربر الصحراوي، وهو كلام لا يخرج عن حالة هذيان مُطبق، فلا علاقة قديما ولا حديثا لأمازيغ الصحراء الكبرى بمصر، وهو إصرار غريب على خلع النوبيين من المصرية، ومن بعد هذا الهاذي خرج علينا وكيل الحزب الإخواني (عصام العريان) ليشرح للناس أن أهل النوبة بالفعل ليسوا مصريين ولكنهم ليسوا أمازيغ كما ذهب عبدالقادر في نظريته اللهلوبة، إنما هم بقايا بقيت من الاحتلال الهكسوسي القديم زمن الفراعنة، وأن هؤلاء من عنصر الهكسوس الأجنبي وأنهم بقوا في الجنوب المصري بعد طرد الهكسوس من مصر، والمعلوم أن الغزو الهكسوسي عنصر آسيوي لا علاقة له بإفريقيا، قد دخل مصر محتلا عبر بادية سيناء ليُسقط الأسرة الثالثة عشرة آخر أسر الدولة المصرية الوسطى وآخر فراعنتها (سوبك حوتب) ويقيم الأسر 14، و15، و16. والمعنى عند الإخوان أن أهل النوبة على أي وضع غير مصريين فإما أنهم جالية، أو هم من بربر الصحراء الكبرى، أو هم بقايا الغزو الهكسوسي، المهم إقصاؤهم، ولن نجد غرابة إن اكتشفنا أنهم كائنات فضائية عثر عليها مرسي عندما كان يعمل بوكالة الفضاء الأمريكية (ناسا).
العريان المتخصص في تحليل السوائل البيولوجية من البول والبراز والمخاط والحيض والنفاس، ترك تخصصه ليخوض في علم التاريخ القديم وعلم المصريات (الإيجبتولوجي)، ليُعرفنا ويُعرف علماء المصريات من كل الأجناس ما لم يكن معلومًا لألوف السنين الماضية في كشف تاريخي مبهر، ليجعل أهل النوبة من بين أبغض الخلق للمصريين، من الهكسوس على وجه التحديد واليقين، مفصحًا عن جهالات متراكمة وعن ضمير كريه قميء بأي معنى نظرت إليه، ويشير إلى أن صاحبه يعاني من حول منغولي في الوطنية، وعمي بصر وبصيرة في معرفته بتاريخ وطنه (مع التحفظ لأن الإخوان لا يعترفون بوجود شيء اسمه الوطن كما سنشرح لاحقا)، ولكننا أبدًا لا ننكر عليه معرفته بتاريخ أسلافه الحجازيين (وهو بدوره محل اهتمام وشرح آت).
العريان لا يعلم أن الهكسوس توقفوا عند مدينة قفط (ومنها قبط لاختلاط الباء بالفاء في اللسان القديم، وعُرفت مصر لذلك بقفط وشعبها بالقبط، وهناك كانت روائع الصناعة المصرية التي ظلت علما حتى في لغة العرب، وأسلاف العريان الحجازيين، الذين كانوا يستوردون ملبسهم الفاخر منها ويسمونه القباطي، ويعرف حتى اليوم في زي رجال الدين الإسلامي باسم القفطان)، ولم يتمكن الهكسوس ولا يوم واحد من تجاوز قفط جنوبًا حيث تحصن المصريون الخُلص الأنقياء عنصرًا وثقافة ولغة، وهناك أقام المصريون يجتهدون في الصناعات المدنية والعسكرية، وفي ميناء القصير على البحر الأحمر أقاموا حوضهم الجاف لصناعة سفن الأسطول المصري، وعند النوبة قاموا يصنعون العجلات الحربية التي بسببها تمكن الهكسوس من غزو مصر، ليتفوقوا على صنعة الغازي، ويصبح للفرعون في عاصمته طيبة ألف عربة حربية، تتحرك كل مجموعة منها في طريق مرسوم عندما يشد الفرعون من على عرشه في قصره طرف حبل يتصل بناقوس في ثكنات الجنود، طيبة التي وصفها الرحالة اليونان بذات المائة باب على كل باب مائة عربة، هي الأقصر الحالية، وجنوب جنوبها تتموضع الغالية نوبت محل إشعاع الذهب المصري (نوبت) الذي أبهر العالم حتى اليوم وغدا وحتى انقضاء الزمان. ومن هناك شد الفرعون (سقنن رع) حباله ليتحرك الأسطول المصري البحري ميمما نحو الشمال ولتتحرك العربات الحربية في الوادي مصعدة شمالا لتحرير الوطن من الغازي، ليموت صريع الوغى ويخلفه في القيادة ولده الأكبر كاموس، ويلقى مصير أبيه فيخلفه أخوه (أحمس) الذي قُيض له تحرير الوطن من الغازي الآسيوي، فطاردهم حتى شاروهين ببادية الشام ليطهر الوادي وسيناء من (الرجس الآسيوي) كما سماه المصري القديم، أما أسطع الشهادات ذكرا فهي الدور العسكري العبقري الذي أداه النوبيون وذكره لهم حقا غير منكور الفراعنة الثلاث في مدونات لا يمحوها الزمان.
فهل يعرف العريان لماذا هو عريان؟ لأنه عريان من المعرفة ومن المواطنة ومن الضمير!!

ليست هناك تعليقات: