الاثنين، 15 أكتوبر 2012

إبراهيم عيسى يكتب:الرئيس وخطبة الجمعة التى ألقاها يوم السبت!



صحيح أنه خطاب طويل ممل، ساعته الأولى عبارة عن رطانة تقليدية من كتاب الخطب المنبرية، كرر فيها الرئيس مرسى كل موضوعات التعبير التى كتبها تلاميذ مصر عن حرب أكتوبر ولم يلفظ الرئيس جملة واحدة مختلفة أو جديدة أو تحمل زاوية خلاقة أو رؤية مبدعة للحرب، لكنه كلام مكرور وثرثرة مُعادة لخطيب مكبل بالبلاغة البالية، وفى ظل الاحتفال الحفى بنصر أكتوبر فإن مرسى لم يذكر بحرف أو لفظ اسم الرئيس السادات بطل وقائد الحرب حتى على سبيل الترحم على الرجل الذى أخرج الإخوان من قبْو المعتقلات وأمّنهم من خوف، بل وكان بين حضور المنصة المحكوم عليهم فى قضية قتل السادات فى افتقار إلى الحد الأدنى من اللياقة السياسية والإنسانية.



ثم إن الرئيس مرسى استغرق وقتا فى تكرار التحية للجيش وقادته الذين وقفوا، (بل وعبروا!) مع الشعب فى خمسة وعشرين يناير، ولكن المدهش أن المشير طنطاوى والفريق عنان لم يكن أيهما فى هذا الاحتفال ولو بشكل بروتوكولى هش، فالرجلان وعدد من أعضاء المجلس العسكرى الذين أحالهم مرسى للتقاعد غابوا أو غُيِّبوا، فالبعض منهم على ما يبدو سيكون فى السجن مع نهاية هذا العام.

لكن لماذا أصبح هذا الخطاب هو درة خطابات مرسى فى المئة يوم إذن؟



لأن الرئيس فى الساعة الثانية للخطاب كان مضغوطا وعصبيا، فصار أقل قدرة على التحكم فى مشاعره، ومن ثم أكثر تحررا فى التعبير عن أفكاره ومواقفه الحقيقية، ومن هنا كان الخطاب مهما وفارقا.



كل ما قاله مرسى عن الاقتصاد يجعلنا أمام جمال مبارك وقد أطلق لحيته، وكل الأرقام التى ذكرها مرسى تشى بأننا لم نقم بثورة على سياسة مبارك، فالأرقام عن الدعم ووصوله إلى مستحقيه وعن التجار الذين ينهبون الدعم ويسرقون الفقراء وعن تحمل الدولة أعباء الدعم للفقراء وعدم المساس بالفقراء الذين يسكنون فى القلب والثرثرة عن تعطيل سائقى الميكروباص، والأطباء وإضراباتهم، وعجلة الإنتاج هو نفسه كلام مبارك ونظامه ورجاله، بل إن مبارك ورجاله لم يصلوا يوما إلى درجة الدفاع عن صندوق النقد الدولى، فهى جرأة لا تليق إلا برئيس أصابته الانتقادات بالتوتر.



وقائمة الإنجازات الباهتة عن الاستثمارات القادمة والبورصة التى سردها فخورا لا تصل إلى ما حققه أحمد نظيف، والشهادات الواهية التى تشعبط فيها خطاب الرئيس، وجاءته من مؤسسات دولية هى أقل بكثير جدا من مدائح هذه الهيئات نفسها فى نظيف وبطرس غالى، ولعل الرئيس يذكر أن مصر ثارت رغم هذه النجاحات أو ربما بسببها.



إذن نحن أمام سياسة اقتصادية إخوانية لا تختلف عن مبارك فى شىء وبنفس العلاج للمشكلات وذات منهجهم فى الحلول الاقتصادية، وإن قلت لى إنهم ليسوا فاسدين مثل نظام مبارك أقُل لك: أعتقد، لكن لِننتظرْ ونرَ.



ثم ننتقل إلى علاقة الرئيس بمعارضيه، وهى لا تختلف إطلاقا عن نظام مبارك الفرعونى كذلك، فهو يتهم معارضيه بتجاهل النجاح، ويلجأ مرسى إلى نفس الاتهام المبتذَل: إن المعارضين لا يرون إلا السلبيات وإنهم لا يطرحون رؤية ولا يقدمون حلولا (كل أحزاب المعارضة لها برامج للحلول، ولو الرئيس مهتم يروح يقراها)، وإن المعارضة طبقا للرئيس مرسى عميلة، حيث يرتبط بعضها مع النظام السابق، والرئيس قال «البعض» حتى ترتمى التهمة على الجميع، وهى تهمة، كما ترى، من نفس النوعية الرخيصة التى كان يطلقها مبارك ورجاله على معارضيهم الذين كانوا موضع اتهامات بالتعاون أو التعامل مع الإخوان وتلقِّى أموال ودعمٍ منهم.



نفس تُهم التدنى السياسى، لكن الإضافة الجديدة من الرئيس المصلِّى محمد مرسى أنه اتَّهم منتقديه على مواكب الصلاة الرئاسية بأنهم مش بتوع صلاة الفجر، وطبعًا الرئيس الذى يصلى أمام الكاميرات ويصحب آلاف الجنود والضباط والقناصة والحرس والموظفين والسيارات والمدرعات ويعطل المرور ويشل حركة الشوارع كى يركع لله أمام عدسات البشر، صار يحكم على معارضيه بأنهم لا يعرفون صلاة الفجر، حيث يتطلب الأمر من هنا ورايح أن يسجل المعارضون صلاتهم فيديو، وهكذا فإن الرئيس المصلى بات فورا من المطوّعين الذين يسألون الناس عن صلاتهم، ولا أعرف لماذا لا يخصص الرئيس بالمرة شرطة تتابع صلاة وزكاة وصيام المعارضين. حسنًا، إن الرئيس مهتم بالانتقادات، لكنه يلجأ إلى كلام وهمى من نوع أن الحرس الجمهورى متطوع، وهو ما يدخل فى باب النكتة التى تثير غَمَمانًا فى النفس، فإن الرئيس كذلك تورط فى فخ التفتيش فى الضمائر وفى نوع من الإرهاب الدينى، وحسبى أن أقول للرئيس إننا لا نصلى لك ولا لكى تشهد لنا بالصلاة، فاهْتمّ بصلاتك أنت ودع لله صلاتنا.



ثم يلحّ الرئيس بنفس الحجج المباركية السقيمة فى الدفاع عن زياراته للخارج التى يقدم عنها دعاوى، تؤكد نجاحه فى الاقتراض من الدول، كأنه يقول لنا كما قال سلفه: أجيبلكم منين؟! وكأنه يشحت علينا، فلا داعى للعكننة عليه وسؤاله عن جدوى وتكاليف هذه السفريات. والحقيقة أننا فى انتظار تقرير لجهاز المحاسبات، ولعله هذه المرة يتسم بالشجاعة والوطنية ويكشف حسابات وإنفاقات الرئاسة بدلا من التعمية عليها، حتى يعرف الشعب أىَّ منقلَب ينقلبون، وأرجو أن يراجع الرئيس من أخبره أن بدل السفر خمسة وستون دولارا وبلاش يرفده، كفاية خصم فقط.



لكن أهم ما فى هذا الخطاب على الإطلاق هو زعم الرئيس أن الفائدة الواحد والنصف فى المئة ليست رِبا وأنه لن يرضى أن يأكل الشعب بالرِّبا، فقد صار لدينا الرئيس المفتى، ولقد ذكّرنى الرئيس بالشيخ الذى استضفته ذات مرة فى حلقة عن فوائد البنوك، وسألنى قبل التسجيل: عايزها حلال ولّا حرام؟!

سيدى الرئيس، هناك فتوى من مشيخة الأزهر متجددة وموثَّقة، تؤكد أن فوائد البنوك حلال، وأنها ليست رِبا، فاعتمد عليها بدلًا من تلبيس السياسة عمة وتسييح الحق على الباطل، فالناس انتخبتك رئيسا لا مفتيا.

ليست هناك تعليقات: