الثلاثاء، 9 أكتوبر 2012

إبراهيم عيسى يكتب: الملعب للرئيس وللشعب النجيلة

 





من تابع خطبة الرئيس مرسى لجماهير استاد ناصر حيث آلاف الشباب المهلل والشعب المطبل والجند المصفق قد لا يخرج إلا بانطباع واحد، وهو أن الدنيا تمام، والوطن مِيّة مِيّة، والشعب فى منتهى السعادة؛ فكل المشكلات التى يعانى منها المصريون صغيرة وهامشية وتتعالج بنظرة وزجرة وزفرة من الرئيس ووعد وكام آية قرآنية وعدة رحلات خارجية، وخلاص، مَنْ المجنون الذى يمكن أن يقنع الرئيس بعد ما جرى فى الملعب بأن الشعب يعانى وأن الشعب غاضب وأن الشعب تعبان؟!
إذا كنت أنا يا اللى اسمى أنا بعد متابعتى هذا اللقاء العاطفى بين الرئيس وشعبه بدأت أسأل: هل الشعب المصرى غاضب على وضعه فعلا ومحبط من كل ما جرى بعد خمسة وعشرين يناير من إجهاض للأحلام؟ الحقيقة لا أعرف!
حزب الحرية والعدالة يقول إن الشعب يثق بقائده وزعيمه، وزعيمه وقائده يشكر حكومته على إنجازات المئة يوم، وجماهير الاستاد تنطق وتصرخ دليلا على ذلك! لكن هل هذا هو الشعب؟! إذا لم يكن مَنْ قابلهم الرئيس فى الملعب هم الشعب، طيب فين الشعب؟ دوَّر عليه تلقاه يا اللى عينيك شايفاه وبرضه بتدور!
هناك فى الحقيقة شعبان وليس شعبًا واحدًا؛ شعب جماعة الإخوان، وهذا شعب يشكو من أشياء بسيطة وعادية والحكومة تعكف على تعديلها، والرئيس قدّها وقدود، وتبقت له عشر رحلات خارجية وستغرق مصر فى الفلوس، وهناك شعب آخر تعتقد المعارضة التى لا تعرف صلاة الفجر أنه مش طايق نفسه وأنه ساخط غاضب!
ولكن الشعب فعلا من سائقى الميكروباص إلى سائقى أوتوبيسات النقل العام، ومن المعلمين إلى الأطباء، ومن قضاة المحاكم إلى قضاة النيابة الإدارية ومجلس الدولة، ومن عمال المصانع والشركات إلى موظفى الجامعات، كلهم ينتقلون من اعتصام إلى إضراب إلى وقفة احتجاجية إلى اقتحام وزارات إلى شحاتة على باب القصر الرئاسى! طيب الشعب يعمل أكتر من كده إيه يا جماعة؟!
فى المجتمعات الطبيعية الإنسانية هناك ثلاث وسائل لمعرفة ما يريده الشعب أو إدراك موقفه من إدارة الحكم ومدى رضاه أو رفضه الوضع القائم والقاعد والكابس! الوسيلة الأولى هى الانتخابات، والتى تقدم نتائجها الحقيقة كاملة أو كاملة بالقدر المستطاع، لكن الكارثة أن الانتخابات فى مصر، التى ستتم بعد عدة شهور، لا يمكن أن تصبح مُعبِّرة عن رأى الشعب، لأن الشعب لا يدلى بصوته فى الانتخابات المصرية، وإنما الذى يدلى بصوته فيها هو الشعب المغسول دماغه من وعاظ وشيوخ وتجار دين يبيعون له مقعدا فى الجنة بمقعد فى البرلمان، والشعب المسحوق بالحاجة إلى زجاجات زيت وأكياس سكر وأنابيب بوتاجاز يقدمها له مرشحو جماعة الرئيس فتأتى النتائج على حسب الفتوى وحسب الرشوة معا فى صندوق واحد.. إذن لا تنفع حكاية الانتخابات، ندخل على الوسيلة الثانية وهى استطلاعات الرأى، لكن عندنا فى بلدنا ذات الأربعة آلاف سنة -وفى رواية أخرى سبعة آلاف سنة-حضارة، فاستطلاعات الرأى فيها تنافس فى التلقائية استطلاع هلال رمضان فى السودان والصومال، استطلاعات تحت الطلب وحسب الرغبة وشخلل جيبك وفتح عينك وجلا جلا، فإذا بنتائج استطلاعات الرأى تقول بمنتهى البصيرة أو بقدرة مركز المعلومات ودعم القرار فى مجلس الوزراء بأن الحكومة زى الفل بفضل ضىّ القناديل، وإن ريسنا ملاح ومعدّينا عامل وفلاح من أهالينا وأحسن واحد فينا. ثم هناك نوعية أخرى من استطلاعات رأى تقوم بها جهات ومراكز دولية فى مصر، طبعًا مغرضة وبنت ستين فى سبعين إن قالت إن الشعب مش طايق جماعته (يقصد جماعة الإخوان مش جماعته فى البيت، وإن كان عدم الطقطان ومستوى الهججان ينطبق على الاتنين). أو تكون مغرضة من نوع المراكز المموَّلة من الإسلاميين أو من حكومات غربية تريد تشجيع الحكومة المصرية على بيع سياستها للصندوق أو هيئات تريد إظهار الإخوان منتهكى حقوق إنسان! إذن هناك الوسيلة الثالثة وهى المظاهرات، حيث تخرج الشعوب المحترمة فى مظاهرات سلمية بالملايين وبالآلاف فى حالة رغبتها فى التغيير أو دعوتها لسقوط حكومة أو رفضها قرارا أو قانونا!
لكن المظاهرات هذه الأيام محفوفة بالمخاطر حيث يتربص شباب ميليشيات الجماعة وأعضاء التيار الإسلامى للدفاع عن شرع الله بتشريح المتظاهرين، أما شيوخ المنابر ووعاظ التليفزيونات فيتهمون المتظاهرين بالعمالة للنظام السابق أو بأنهم علمانيون كَفَرة ملاحدة ويجب قطع أيديهم وأرجلهم من خلاف، ثم إن الناس زهقت وملّت وطهقت واتخنقت من المظاهرات، ثم إن شباب بعض القوى الاحتجاجية مالوش فى المظاهرات ضد الإخوان فهو تخصص عسكر فى المعسكر وساعته الثورية واقفة على طنطاوى وعنان!

المؤكد أن الشعب سيجد وسيلة رابعة للتعبير وللتغيير، فلا يمكن أن يبقى الملعب للرئيس وللشعب النجيلة!


  • رأي
  • الدستور

ليست هناك تعليقات: