الاثنين، 13 أغسطس 2012

الشعب المصري أخر من يعلم


محاولة لفهم سر الطلاق البائن بين العسكر والإخوان

لن يجرؤ أحد أن يدعي أنه توقع هذا التطور المفاجئ في مسلسل الصراع على السلطة، والذي انتهى بالاطاحة بالمشير طنطاوي والفريق عنان رئيس الاركان.
لقد تابعنا على مدى أكثر من عامين تفاصيل كثيرة في مسلسل التقارب والتباعد بين العسكر والإخوان، وكأننا نتابع مسلسلاً درامياً مفعماً بمواقف الحب والفتور، والتسامح والخيانة، والكيد والانتقام، ثم التلاقي والتعايش، ولكننا أبداً لم نتوقع الطلاق البائن، وإقصاء أحد أبطال المسلسل نهائياً، ولو حالياً على الأقل.. والعجيب أن هناك تصريحاً واضحاً ومحدداً قاله المشير طنطاوي منذ أيام بأنه لن يسمح بأي حال من الأحوال لتيار معين أن ينفرد بحكم مصر، أي أنه كان يرفض صراحة انفراد الاخوان بحكم مصر، وتساءل كثيرون عقب هذا التصريح عن من يحكم مصر فعلاً العسكر أم الاخوان؟
كما ترجم المجلس العسكري هذه الرغبة بخطوات عملية تمثلت في حل مجلس الشعب الاخواني قبيل إعلان فوز الرئيس محمد مرسي برئاسة الجمهورية، واحتفظ المجلس لنفسه مؤقتاً بالسلطة التشريعية، ليؤكد اصراره على عدم هيمنة الاخوان على جميع السلطات.
إن هذه المعطيات تؤكد بما لا يدعو للشك أن مياهاً جديدة جرت في نهر اللعبة السياسية لفك هذا الاشتباك السلطوي.. وأن صراعاً جديداً احتدم وعجل بالاقصاء، ولكن المصريين للأسف آخر من يعلم بما يدور في الغرف المغلقة من تدابير بين المتصارعين على حكمهم، وفي كل مرة تخرج القرارات المفاجئة نتساءل ماذا حدث وماذا سيحدث؟!
وأغلب الظن أن هناك سيناريوهين محددين لهذا التطور الأخير وسيل القرارات السياسية المفاجئة التي أحالت المجلس العسكري الى ماضٍ، وتحولت قراراته وفرماناته الى مجرد أمواج عاتية تكسرت على صخور الجماعة.. الوريث الوحيد للحزب الوطني.
السيناريو الأول أن الرئيس مرسي قرر ومن خلفه حزبه وجماعته، أن يتناول المجلس العسكري على الغداء قبل أن يتحول هو إلى عشاء لهم، وحتى لو فرضنا أنه استخدم سلطاته لتحقيق ذلك أو من حقه أن يفعل ذلك، فإنه تم بلا مقدمات أو تمهيد، واعتمد على عنصر المفاجأة على طريقة الرئيس الراحل محمد أنور السادات عندما أطاح ببقايا الحكم الناصري في 15 مايو 1971 ثم جميع معارضيه بعدها بعشر سنوات في 5 سبتمبر 1981، وهي القرارات التي عجلت باغتياله بعدها بشهر واحد.
وهذا السيناريو الصدمة قد يسبب راحة للحاكم بعض الوقت لتخلصه من معارضيه ولكنه لا يوفر أبداً الأمان لهذا الحاكم لأنه يحول المعارضين من العمل في النور الى التربص في الظلام.
وليس خافياً أن هذا الأسلوب في الاقصاء يثير الرعب بين القوى السياسية التي تخالف الاخوان في الرأي، ويدفعها الى مراجعة حساباتها بشأن المشاركة في العملية الديمقراطية بشكل طبيعي، يفتح شهية الحاكم في نفس الوقت الى مزيد من الافتراس لمعارضيه.
والأدهى من ذلك أن الانقلاب على شركاء الأمس بهذه الطريقة تزامن مع قرارات تهدد حرية الرأي، بعد غلق قناة الفراعين ومصادرة جريدة الدستور، مما يعزز المخاوف على مستقبل الديمقراطية في مصر.
أما السيناريو الثاني والذي يطرحه اللواء العصار عضو المجلس العسكري على وسائل الاعلام، في يتمثل في أن هذه القرارات تمت بالتنسيق مع المجلس العسكري وهو سيناريو لم يظهر حتى الآن ما يدعمه ويثبت إمكانية حدوثه، خاصة مع الملابسات التي تسربت حول وقائع حلف اليمين.
ولو افترضنا جدلاً صحة هذا السيناريو فنحن نحتاج الى معرفة مبرراته، خاصة في ظل المواقف السابقة لكل طرف وهي المواقف التي تستبعد تماما في رغبة المجلس العسكري حقيقة في الاختفاء المفاجئ من ساحة الصراع على السلطة، وبالتالي فإنه يجرنا إلى وجود قوى تلزم الطرفين على هذا السيناريو، وستتجه أصابع المحللين فوراً الى واشنطن، الراعي الرسمي للأحداث في منطقة الشرق الأوسط، والوكيل الوحيد لمشروعات ترتيب البيت العربي بما يواكب خطط امريكا المستقبلية للحفاظ على مصالحها ومصلحة اسرائيل في المنطقة، وهناك العديد من المحللين الغربيين الذين يعتقدون أن كلا من المجلس العسكري والاخوان لا ينقل قطعة على رقعة الشطرنج إلا بعد استئذان البيت الأبيض أو على الأقل بالتفاهم معه، لأن مفاتيح اللعب في واشنطن منذ سيناريو اعلان تنحي مبارك الذي أعلنه أوباما في الكونجرس قبل أن يتم بـ 24 ساعة وحتى زيارات الوفود الأمريكية وهيلاري كلينتون المتكررة التي نفاجأ عادة بتطورات جديدة بعدها ولا شك أن امريكا حريصة كل الحرص على عودة الاستقرار الى مصر على طريقتها الخاصة، وهو وجود سلطة تضمن لهم عدم اندلاع ثورة شعبية مفاجئة تبعثر خططها وترتيباتها المفاجئة، فواشنطن لا تخشى العسكر ولا الأحزاب الدينية أو الليبرالية، وتستطيع دائما أن تضمهم تحت السيطرة بعصا المعز وذهبه، ولكنها ستظل تخشى الى الأبد فوران الشعوب.



الوفد

ليست هناك تعليقات: