الاثنين، 7 مايو 2012

مصر.. عبقرية الجمع بين ماضى 7 تلاف سنة حضارة.. وحاضر 7 تلاف سنة ماضى!

«أشكر الله أنى ولدت يونانيا لا بربريا.. حرا لا عبدا.. رجلا لا امرأة.. ولكنى فضلا عن ذلك أشكره أنى عشت فى زمن سقراط».. لأن إيمانى لا يقل عن إيمان «أفلاطون» صاحب تلك المقولة.. لذا.. اسمحوا لى أن أنحو نفس المنحى بتاعه..

وأشكر الله أيضا على أنى قد ولدت مصريا مش زى حاجة تانية.. حرا لا عبدا.. رجلا لا امرأة.. ولكنى فضلا عن ذلك أشكره أنى عشت فى زمن الرئيس مبارك.. وسوف أتخذ من شوية الباراجرافات اللى جايين سبيلا لشرح وتفصيص معنى ومغزى ودلالة كل «شكرا» مع الأربع «شكرانات» اللى فوق.. يا مسهل..

فأما بالنسبة لشكرا الأولانية والخاصة بأنى قد ولدت مصريا مش أى حاجة تانية.. فاسمحوا لى فى البداية وقبل ذكر سبب الشكر أن ألفت انتباهكم إلى اختلافه كل الاختلاف عن أمنية الزعيم المصرى مصطفى كامل والمتمثلة فى أنه لو لم يكن مصريا لتمنى أن يكون مصريا..

فشتان الفارق بين بنى آدم يشكر ربه على أنه قد خلقه مصريا بالفعل.. وبين بنى آدم آخر يؤكد أنه لو لم يكن ربه قد خلقه مصريا.. وخلقه تبتيا مثلا.. لكان قد أنفق لياليه منعزلا على إحدى قمم جبال التبت باكيا وناعيا حظه ومناجيا ربه لكى يخلقه تانى.. بس مصريا.. مش تبتيا.. شتان هو الفارق بين شكر ده.. وأمنية ده.. لذا لزم التنويه.. وشكرا.

نعود للسبب الذى يجعل البنى آدم مِنِّا ممتنا بمصريته.. شاكرا الله عليها.. وهو السبب المتمثل فى عبقرية الدراما غير المسبوقة.. أين يمكن للبنى آدم مِنّا العثور على عبقرية غير مسبوقة على مستوى الأمم مثل عبقرية مصر.. تلك العبقرية المتناقضة والعبثية والنادرة والقادرة على الجمع بين ماضى 7 تلاف سنة حضارة..

وحاضر 7 تلاف سنة ماضى.. تلك العبقرية القادرة على الجمع بين ماضٍ كنا أسياده ومصدر إضاءته ونور عبقريته.. وبين حاضر أصبحنا عبيده وعالمه الثالث وظلام تأخره.. أين يمكن للبنى آدم مِنّا أن يجد شعبا عبقريا مثل الشعب المصرى الجميل الصامد والثابت فى وجه كل من تعاقبوا على حكمه.. بدءا من مينا موحد القطرين وانتهاء بالرئيس مبارك.. أى شعب عادى كان زمانه «فيَّص» من زمان..

ولكنها عبقرية مصر وعبقرية شعب مصر وعبقرية الموقع الجغرافى لمصر وعبقرية الدراما غير المسبوقة التى يتشكل من حكاياتها تاريخ مصر.. إنها عبقرية الصراعات الدرامية المتداخلة فى بعضها بشكل عبقرى والتى تملأ شوارع وبيوت وصدور الناس فى مصر.. مصر الحضارة العظيمة..

التى علمت العالم أساسيات كل حاجة.. فلما تعلمها.. أنتخت هى ونامت.. وتركت العالم يواصل تطوره براحته بعيدا عنها.. هل ترون أن الحياة فيلم سينما طويل من نوعية الكوميديا السوداء العبثية؟! إذن.. عليكو وعلى مصر!

كان هذا عن «شكرا» الأولانية.. أما بالنسبة لـ«شكرا» الثانية.. والخاصة بأنى قد ولدت حرا لا عبدا.. أتصور أنها واضحة.. ولا تحتاج للشرح.. وأما بقى بالنسبة لـ«شكرا» الثالثة.. والخاصة بأنى قد ولدت رجلا لا امرأة.. فهى وإن كانت تبدو فى مقولة «أفلاطون» أنها تنطوى على تقليل من شأن المرأة.. فدعونى أؤكد لكم أنها فى المقولة بتاعتى أنا لا تنطوى على ذلك إطلاقا.. بالعكس..

تنطوى على خالص التقدير والاحترام والحب للمرأة.. لذا.. أشكر الله على أنه خلقنى رجلا.. لأصبح قادرا على التعبير عن كل تلك الكمية العارمة من الحب التى تملأ صدرى تجاه كل امرأة جميلة على ظهر ذلك الكوكب!

نيجى بقى لـ«شكرا» الرابعة والأخيرة.. وهى «شكرا» التى تختزل بداخلها 28 عاما من سنوات عمرى القليلة.. شكرا على أنى عشت فى زمن الرئيس مبارك.. فهى فرصة لم تتح للكثير من أبناء كوكبنا الأرضى الجميل.. القليلون فقط هم من يحظون بمثل تلك الفرص التاريخية النادرة.. أن يحكمهم رئيس واحد وحزب واحد ووجوه واحدة لمدة 28 عاما.. ولهواة الصيد فى الماء العكر..

دعونى أؤكد لكم أنها شكرا صادقة وبجد.. فمعاصرة رئيس واحد لفترة كبيرة مثل تلك قادرة على منحك رؤية أوضح للأمور.. أو بمعنى أصح..لما آلت إليه الأمور.. تستطيع الآن وأنت مضطجع على الكنبة بجوار البلكونة فى ساعة عصرية ترتشف من كوب شاى فى يدك أن تسرح فى تفاصيل سنوات عمرك الماضية والتى أنفقت منها 16 سنة فى مدارس وجامعات مصرية وحكومية كأقصى ما تكون الحكومة..

ولولا حدوث ذلك.. لما كنت قد أصبحت قادرا على وضع يدى على موضع الخلل فى مصر بشكل محدد تماما ورئيسى جدا.. كان لابد أن أجرب بنفسى يعنى إيه مفيش اهتمام فى المدارس بالأنشطة والفنون..

لأعلم السبب الحقيقى وراء كل ذلك النحت الرخيص الذى يتم طرشه فى وجوهنا وفى آذاننا يوميا عبر شاشات التليفزيون والسينما وعبر سماعات الكاسيتات و«الدى فى دى بلايرز».. كان لابد أن أرى بنفسى كيف يتعامل المدير مع المدرسين والطلبة فى المدرسة ثم كيف يتعامل مع وكيل الوزارة عند زيارته المفاجئة للمدرسة (والتى غالبا ما تكون معروفة قبلها بيومين).. لأعرف كيف يتعامل الوزير مع رجاله فى وزارته ثم كيف يتعامل مع رئيس الوزراء بعد ذلك..

ثم كيف يتعامل رئيس الوزراء مع الرئيس.. لولا تجربة ليلة التعليم ما كنت قد تمكنت من فهم ليلة السياسة.. كان لابد أن أرى بنفسى المكتبة فى تلات تربع مدارس مصر، وقد أصبحت مكانا لإفطار واجتماع المدرسين والمدرسات حتى أستطيع أن أفهم السبب الحقيقى وراء خلو الـ500 جامعة الأولى على مستوى العالم من جامعة القاهرة.. كان ينبغى عليَّا أن أقضى 4 سنوات فى كلية لم أحلم يوما بدخولها..

لأكتشف فى نفسى أشياء لم أكن أعرفها من قبل.. كان ينبغى عليَّا أن أقضى 4 سنوات بدون أنشطة فنية أو مشاركة سياسية (رحلات وحفلات وبس) أو قدرة على التعبير عن نفسك.. كان ينبغى أن يحدث هذا.. لأستطيع أن أقفش وأقرر التعبير عن نفسى!
خلال الـ28 عاما الماضية..

استوعبت وفهمت الكثير والكثير مما لم أكن أعلمه من قبل.. مفاهيم مثل الديمقراطية وحقوق الإنسان وتداول السلطة والشفافية وحرية تداول المعلومات.. وبصرف النظر عن أن إدراك تلك المفاهيم جاء عن طريق تطبيق مبدأ معرفة الشىء بضده.. بمعنى.. س: «إيه هو تداول السلطة؟». ج: «هو اللى ما بيحصلش هنا».. وهكذا.. إلا أن المعرفة المتكئة على مثل هذا المبدأ معرفة أرسخ وأقوى وأعمق تأثيرا فى ذاكرة ونفسية البنى آدم مِنَّا..

من منطلق أن شغفك بما تتمناه ولست تملكه.. أرسخ بكثير من شغفك بما تملكه بالفعل.. وربما كان هذا هو السبب الحقيقى وراء شغفى بالتعليم.. بالتعليم اللى بجد.. وهو الشغف الذى ارتكزت قوته الحقيقية وإحساس البنى آدم منّا به على ركيزة أساسية ومهمة جدا.. ألا وهى.. غيابه!

الآن.. أعلم أنى لو لم أتعلم فى مدارس وجامعات مصر وفى تلك الحقبة التاريخية التى تجلل جبهتها نقطة سوداء مكتوب عليها.. «التعليم».. ولو شاءت لى أقدارى أن أتعلم بجد فى مدارس بجد.. وفى جامعات تتعامل مع عقلى بجد.. ولو حدث هذا.. لما كنت قد فهمت شيئا فيما يخص الدراما العبقرية المصرية غير المسبوقة.. ولما كنت قد استطعت أن أضع يدى على مواضع الخلل الرئيسى.. وهو.. التعليم المصرى الذى لا يمت لكلمة «تعليم» من بعيد أو من قريب بأى صلة!

لهذا كله.. أحمد الله الذى خلقنى مصريا أعيش خلال تلك الحقبة التاريخية المصرية المباركة أزهى أيام فهمى للأمور.. أحمد الله على جعلى معاصرا لنظام الحكم الحالى.. متعلما فى مدارسه وجامعاته.. شاربا من مياهه.. وآكلا من فاكهته وخضراواته.. مبرطعا فى شوارعه وميادينه..

متعاملا مع منظماته ومؤسساته ومجمع تحريره.. أحمد الله.. فلولا ذلك لما كنت قد فهمت شيئا عن تلك الدنيا «الفونيا».. ولما كنت قد عرفت حاجة عن ذلك الزمن «الكبَّاس»!

أحيانا.. فى نوبات تأملاتى الوجودية كنت أحقد على أجدادى الفراعنة.. هؤلاء الذين شاءت لهم أقدارهم أن يكون الـCasting بتاعهم فى تلك الحقبة الفرعونية القديمة.. على أساس أنهم هم الذين شاهدوا وشهدوا تلك اللحظات العظيمة التى كانت الحضارة التى مهدت الطريق لنور البشرية تنبنى فيها أمامهم.. الآن..

نسيت حقدى كله فى لحظة.. وأصبحت أرى أنه لا داعى لهذا الحقد.. فها أنا أيضا أتمتع بميزة لم يتمتع بها هؤلاء الراحلون منذ آلاف السنين.. وإذا كانوا هم قد شهدوا تلك الحضارة العظيمة تنبنى أمامهم.. فها أنا أشهد نفس الحضارة العظيمة.. بس وهى بتنهدم أمامى.. لحظة تاريخية بقى.. ولاَّ مش تاريخية!

ليست هناك تعليقات: