الثلاثاء، 20 مارس 2012

الحكمة المؤنثة .. «هيباتيا» الفاضلةُ.. الفاصلةُ بين عصرين

بقلم يوسف زيدان

الليلةَ الماضية تولانى الضَّجَرُ من هجمات الهموم، فأردتُ السفر. كان قومى يعجنون خبزهم بدقيق الهوس الممزوج بالهواجس وشوارد الفِكَر، ويتعجبون من أخبار الحبلى التى ألقت على الأرض حملها مَلَصَاً مريعاً، بعدما تقطَّعت جدائلها الجاذبة للأمل. فتركتُهم عند مغيب شمس اليقين وأخذتُ زوَّادتى الخاوية، وخرجتُ من خوائهم وخلافهم الممتد فيهم منذ قرونٍ حالكةٍ كقرون الخرنوب، حول الحاكم المطلوب تنصيبه رئيساً لبيت الدُّمَى الدامع، الدامى، وقد أسكتوا قسراً منادياً فيهم كان يقول: لا تترقبوا المجىء والأبوابُ موصدةٌ، ولا تتمنوا الأمانى، فلا عبرة برئيسٍ للبيت لن يكون رأساً، ولا معنى للرأس من دون بَدَنٍ صحيح.

فى طريق خروجى من الباب الخلفى للبيت، رأيتُ فى حوش البيت صبياناً يلعبون بين ظلال المساء التى امتدت فيهم، بكُرَةٍ مشوَّكةٍ غير مستوية الاستدارة. ورأيتُ الصبايا ينتحين جانباً، وينتحبن، لأن أجملهن تزوَّجت الشيخ الذى اغتال حبيبها واغتصب أمها وأرض أبيها. ورأيتُ الأمهات صامتاتٍ يتحلَّقن حول مغنيةٍ غجريةٍ، تشدو متحشرجةَ الصوت بكلماتٍ مبهماتٍ تشتبك بشعرها المنفوش. ورأيتُ رضيعاً يتكلَّم فى المهد قائلاً إن أمَّه هجرته، وحرَّمت عليه قبل هجرانها المرضعات، وتركته يجوع.

قبل وصولى إلى بوابة الهروب الليلى المعتاد، نادانى رجلٌ جاءنى من أقصى المدينة يسعى، كان يسرى متوكئاً على منسأةٍ تأكلها دابةُ الأرض وتوشك على كسرها، لكنه لا يدرى. بأنفاسٍ تتهدَّج واستعطافٍ فادح الأسى، استوقفنى ليخبرنى بأن الملأ يأتمرون على أنفسهم نهاراً، فإذا أحاطت بهم ظلالُ المساء استلقوا منهكين وأخذهم نومٌ غير رحيم. وهم فى نومهم موجوعون. وقال إن أبقراط قال: إذا كان النوم فى الأمراض المزمنة يسبِّب وجعاً، فذلك من علامات الموت.

وقال إنه لمح فى وهج الظهيرة قوماً يتخفَّون، ويدبِّرون فاجعةً لترويع السكان الآملين فى الأمان. وقال إن مَنْ راح استراح، لأن موتاً كثيراً يهرول بين خيام الأقارب ويجوس بأفيال المجوس خلال الديار. وقال إن الموت صار رحيماً، يحمل الراحة هديةً لليائسين، ويترك الذكرى للحالمين والفرص الرخيصة للرخيصين.. وقال غير ذلك كثيراً، فألقيتُ أقواله كلها فى بئرٍ سحيقة عند الناحية المسماة «لا مكان» وتأسَّيتُ بأن قومى قد يبرأون، وسوف ينسون الليلة أن موعدهم الصبح، وسوف يؤول نسيانهم إلى نسيان؛ لأن الإنسان والنسوة والناس، كلها كلماتٌ مشتقةٌ من أصل النسيان.

عند بوابة البلدة حبسنى الحراسُ، ونهرنى كبيرهم الذى علَّمهم السحر والحراسة، وصرخ فى وجهى زاعقاً كالمعتاد «أَوَلَمْ ننهك عن العالمين» ونحذِّرك مراراً من مفارقة البيت فى الليل؟ فقلت معتذراً إننى أهوى السهر، وأميلُ إلى مشاهدة أصول الصور وسوانح الأسرار المتجلية من بعد الغروب إلى وقت السَّحَر السِّحرى.. فأمرَ بحبسى.

بعد ساعةٍ سكتت كل الأصوات، وسحبتنى من محبسى نسماتُ المساء. وسَرَتْ بى إلى الشاطئ، حيث اللسان الصخرى الذى تتنـزَّل عند حافته البحرية العقولُ العشرة، فلم أجد منهم جالساً فى الموضع غير واحدٍ. سألته عن الباقين ولماذا لا أراهم؟ فقال: لا شأن لك، ولا لك إلى رؤيتهم سبيل.

اعترضتُ عليه بأننى رأيتهم هنا من قبل، فلم يَرُدّ، ولما رجوته بلسان الحال وألم السؤال، قال: بل رأيت ظلالهم الممتدة فىَّ، لأننى وحدى العقل الفعَّال فى الإنسانية، وما فوقى عقولٌ مُفارقة، لا قدرة للبشر على مشاهدة أنوارهم التى تدكُّ إذا تجلَّت جبالَ المحسوس، فلا تنشغل عما يمكن لك بما هو محجوبٌ عنك.

عصفتْ من حولنا ريحٌ كأنها إعصارٌ فيه نارٌ، واهتزَّت الأركانُ وتأرجحتْ الموجودات، فوجدتُ أن الحالَ قد يسمح بأمرٍ طالما كنتُ أبغيه، فبسطت ذراعىَّ حتى صارا بعد حينٍ جناحين حلَّقتُ بهما فوق النواحى، ورأيتُ بعين عصفورٍ سطح البيوت النائمة، وسقف الفنار الذى صار قلعةً للملوك، وطرتُ فوق الميناء الشرقى الذى لم يسترح موجه يوماً من التحرُّش بصخور الحواف، ورأيتُ فى ماضى الطرقات امرأةً أعشقها تموت.

بعد حينٍ هدأتْ الريحُ فهدأتُ، وعدتُ إلى الموضع المفروش بالصخر والرمال، حيث يتجلَّى لى العقل الفعَّال. وقبالته جلستُ فوق صفحة الماء، فرأيتُ على ضوء النجوم وجهه الفياض بالنور، وتحقَّقتُ من ملامحه الجامعة بين وجوه بنى الإنسان، النساء منهم والرجال، والمعمِّرين والأطفال، فعرفتُ أن سوانحه مستباحةٌ لكلِّ متطلِّعٍ إليه، بشرط أن يجلو من قلبه المرآة، فتنعكس عليها صورُ الإدراك وأصول المعقولات، فيحظى بهِبَات الفهم وهَبَّات الأفكار الفريدات.

ولأنه يحتفى بالسؤال، الجيد، فقد استفسرتُ منه عما رأيته حين حلَّقت فوق سماء المدينة، وسألته عن تأويل رؤياى، فقال: أما الميناء فقد أَمَر به الإسكندر، لكنه استعجل الرحيل ولم يستطع الصبر حتى يراه، فهواه الذى كان غلاَّباً عليه، أنساه ما علَّمه له أرسطو أو لقَّنه فى الصغر إياه، فأعماه عن الفلسفة الهوسُ بالفتوح حتى انقضى أجله من دون اللحاق بما تمناه. وأما الفنار فكان للمساكين العاملين فى البحر، وكان يُنار للمسافر البعيد ليهتدى، ويُقبل، فصارت أحجارُهُ جدران قلعة تصدُّ القادمين بالنار والحديد، حوتْ الجند حيناً ثم خوتْ، فخلا إليها الخائفون من المحبين، والحالمون، وزخرفوا حوافها بالأحلام المستحيلة. وأما المرأةُ العاشقة المعشوقة، المشرقة المحروقة، فهى المقتولة هنا منذ العام 415 بحسب الأعوام التى تحسبون لميلاد المسيح الذى تعرفون. واسمها من الأزل إلى الأبد «هيباتيا» ولم تستقبل النساءُ من فيوضاتى، ولا الرجال، مثلما استقبلت هى، ثم تقدَّمت، لكنها بعد حين تأفَّفت حين رأت الكلاب تلغى فى الإناء السكندرى البرَّاق، وتخرِّب جدران بيتٍ كان معموراً.

رأيته يذكر ما يثير الأسى، بغير انفعالٍ، فعرفتُ أنه عقلٌ كلىٌّ فعَّالٌ لا يعرف عاطفةً ولا ميلاً عن الصفاء السرمدىِّ التام كالإنسان، فالمناسبة بينه وبين البشر هى الفيضُ والفعلُ منه، ومنهم التلقِّى والانفعال.. انفعلتُ بما قال وأردتُ التفصيل فى خبر المرأة البهية التى قُتلت فى الإسكندرية، فقال بإجمالٍ إنها هيباتيا، السامية، الفاضلةُ الفاصلة بين عصرى النور وزمن الظلام. وهى نتاجُ علومٍ عاشت قروناً حتى استطاعت صياغة جوهره الفريد، فلما أهدر البؤساء هذا الجوهر وأطفأوا المصباح، بقيت الإنسانية قروناً تعسُّ فى الظلام، حتى صار البشر كالخفافيش.

قلتُ: فمتى يكون مثلها فى الإنسانية، ثانيةً؟ فقال هذا الأمر يحتاج صبراً طويلاً، فمثلها لا يكون كل حين.. غمرنى الأسى، وأردتُ منه السلوان فاستزدتُ، فقال: فى زمنٍ مضى، لم يكن العلمُ إلا سكندرياً. وما كان آنذاك ملوكٌ راشدون إلا البطالمة الذين كانوا باللسان يونان، وبالهوى والإقامة مصريين. وقد أقاموا هنا معبداً ليكون معهداً للعلم، وسموه «بيت ربات الفنون» لأنهم من غير شرحٍ ولا تفهيمٍ أدركوا أن شمس الإبداع، تشرق عليهم من نوافذ هاتيك الربات. كانت «هيباتيا» يوم أقاموا للمعرفة بنياناً، نطفةً حبلت بها العقول لخمسةِ قرون، ثم ولدتها مشرقةً بهيةَ القسمات منذ المهد وحتى اللحد. وبذرةً سُقيت بماء الروح والعقل والأدب الرفيع، بيدِ أعلامٍ من العلماء عاشوا جيلاً بعد جيل، وتوارثوا المعارف حتى أورثوها «هيباتيا».. وكانوا من قبل مولدها بقرون قد ألحقوا بالمعبد المعهد، المكتبة التى آلت يوم حرقوا هيباتيا للانهيار، فصارت بعدما كانت موئلاً لأبناء النور والفهم وحفظ السابق من العهود، هرَّاجةً بالفوضى مثل جبلايةٍ للقرود، اندرس فيها الدرسُ القديمُ واندثر الألقُ التليدُ، فأمستْ النفوسُ معتمةً والمواليدُ ما بين مدفونةٍ ومَوْؤُود. وغدا قلبُ الأمومة خاوياً أو هو من بعد الفرح مفؤود.

قلت: ألا يمكنك الكلام إلا مجازاً ورمزاً؟ فقال: كلماتُ الحكمة مرموزةٌ لا محالة، فلا تردَّ الرمزَ عنك ولا المجاز، ولا تردَّ عليهما فإنما بهما يفوز عابرُ الهوَّة ويجتاز من فاز. وخُذْ منهما حسبما تعكس مرآتك واحفظ بقلبك ما فاتك حتى يأتيك اليقين، ويقوم عليه عندك الدليلُ والبرهان. وما التعقُّل إلا إقامة الدليل وسطوع البرهان. وقد كانت البرهنةُ طيلة خمسة قرون، سكندريةً، فكنت أيامها أكادُ أقيم دوماً بهذا المكان وأنسى بقية بنى الإنسان، لأنهم نسونى فى ذاك الزمان فنسوا أنفسهم، وأنا لا أذكر إلا من تذكَّر وليس عندى من العواطف ما يعصف بعقول البشر الفانين، فيردُّهم إلى هُوَّةِ القردة الخاسئين.

قلت: وكيف يكون الفهم من غير عاطفة؟ فقال: الإدراكُ الفوقى مجردٌ، ولا مشاعر فيه. والعقلُ صافٍ عن كدرِ البشرية، وعن اختلاط الوصف بالموصوف. فإن تدبَّرت الأمر، رأيتَ العقولَ بريئةً عن ملامسة المحسوس، وأدركتَ مأساة الإنسان الجامع بين ما يختلف ويتناقض، فعرفت بذلك سرَّ الحيرة الناتجة عن تفرُّق القلب والنظر العقلى. وقد كانت هيباتيا حائرةً بين عقلها وقلبها، ثم هدأ ثوران القلب فيها فصار عقلها قلباً جميلاً، اختار لها الموت بديلاً للجهالة والهوان.

جرت بين عقلى المنفعل والعقل الفعَّال، من غير ألفاظٍ، أسئلةٌ حيرى، وإجابات شافيات كان منها: هل عاشت هيباتيا حياتها كلها فى الإسكندرية؟ نعم، ولم تخرج منها لأنها لم تعرف أن موضعاً فى العالم أجمل منها.. هل رأيتها كثيراً؟ كنتُ دائم التجلَّى على أبيها وكانت دوماً معه منذ طفولتها المفعمة بالاندهاش.. كان اسم أبيها ثيون؟ نعم، كان لها أباً وأماً فتعلَّقت به وأحبَّت لأجله الفلك والرياضيات من هندسة وجبرٍ وحساب.

قلتُ: لكن الجبر عربىُّ النشأة، ولم يظهر إلا بعد حينٍ على يد جابر بن حيان، ولذلك نُسب إليه لفظ الجبر. أم ترانى مخطئاً؟ فقال بعد صمتٍ قليل: ما كان الجليل، جابر بن حيان رياضياً أصلاً ولا اشتغل بهندسةٍ أو حساب، وإنما كان ماهراً فى الكيمياء ومتوغلاً فى الأسرار. .. فأين إذن ظهر الجبرُ؟ الجبرُ سكندرىُّ الأصل، ومنارته القديمة فى هذه المدينة كان رجلاً اسمه «ديوفنطس» ومنه عرف الناسُ هذا العلم، واشتغلوا به من بعده.

قلتُ: ما علينا الآن منه، حدِّثنى فقط عن «هيباتيا» وإن تفضّلت بالإشراق أَفِضْ، ولا تكتم سرَّا، احكِ قول الحق الذى فيه يمترون ويزعمون أنها كانت ساحرةً، ومشعوذةً بالدجل، فعاقبوها بأن سحلوها ثم قشَّروا بالأصداف جلدها عن لحمها، ثم أضرموا فيها النيران وهى حية، وأحرقت ذكراها كل قلبٍ سليم وعقلٍ مستقيم. فقال: إجابةً على هذا الكلام: هى امرأةٌ والنساء جميعهن ساحراتٌ على اختلافٍ بينهنَّ فى سحر الأنوثة الفتَّان الفتَّاك، وكانت معشوقتك «هيباتيا» تبلغ من السحر الأنثوى غاية الغايات، ولكن سحر العقل الوقور كان يحوطها أيضاً ويذهب معها حيثما ذهبت، فتسبى الألباب بالسحرين السرمدى والبرَّاق. أما الدجلُ والشعوذة، فهى تهمةُ الدَّجَّالين المشعوذين يلصقونها بمن يشعرون أمامه بالضآلة وهوان الذات، فيظنون أنهم بالتهوين من العالى يرتفعون، وبإهانة السامى من حقارتهم يتطهَّرون. فإذا ازداد سمو المفترق عنهم بالحال والمآل وعلو الهمة وارتفاع الهامة، طرحوه أرضاً بالأفعال بعد الأقوال، وقتلوه كى يسلبوه المكان والمكانة. وبئس ما يفعلون.

وقد حزنتْ الإسكندريةُ وأظلمتْ الدنيا بعد مقتل هيباتيا فى السنة المذكورة، وخلت الأعوامُ من الأعلام فى العلم لعدة دهور، حتى جاء «جابر» المذكور بعد أربعة قرون، ولم تظهر فى سماء المعرفة نجومٌ من النساء لمدة ألفٍ وخمسمائة عام، وتحقَّق الوعيد الذى كان «كليمان» القسيس قد أطلقه من قبل ميلاد هيباتيا بقرنين من الزمان، يوم قال: إنما جئتُ لأدمِّر أعمال الأنثى.

البشرُ تعساء. يهدمون ما لا يفهمون، ويدمِّرون الأنوثة لإعلاء الذكورة، وهم لا يدركون أنهم بذلك يخسرون السابق واللاحق، ويحرمون الجوهر الإنسانى من اكتماله البرَّاق، فيعتم، فيعيش فى العتمة الرجال قبل النساء. ألا ساء ما يحكمون. وربما كان الأمر يهون، لو كان فى البشر من أمثال هيباتيا الكثير، لكن الرمل فى الأرض هو الوفير، أما فصوص الجواهر فهى القليل النادر. لكن خراف الرب وأغنامه وأغلب الدواب، يرون المرعى أهمَّ من المعنى، والعشبَ أشحَّ من الألماس.

ما الذى كان يشغل عقل هيباتيا؟ .. صورةُ الأرض وموضعها بين أجرام السماء، فمن قبلها بقرون أبدع السكندرى البارع «كلوديوس بطليموس» كتابين، أحدهما فى جغرافية الأرض والآخر فى شكل السماء. لكنه كان يظن أن الأرض، هى مركز الكون، فغلب ظنه على العلماء والجهلاء. فهؤلاء انهمكوا فى شرح الكتابين وإيجاد الحل الرياضى لحركة الأفلاك حول الأرض، وأولئك ظنوا أنه ما دامت الأرض مركز الكون، فإن الإنسان هو مركزُ الأرض والكون وابنُ الإله. أفرأيت من اتخذ إلهه هواه، وقصره على الرجل من دون أمه وأنثاه، فلا هو عرف سرَّ الإنسان ولا أدرك للكون معنى ولا وصل يوماً إلى حقيقة الله.

كانت هيباتيا وهى طفلة، تتأمل أباها «ثيون السكندرى» وهو يشرح لطلاب العلم ما كتبه «بطليموس السكندرى» عن الفلك، فتتمنى أن تكون يوماً مثل أبيها، ثم كانت. لكنها اكتشفت يوماً بعد يوم، أن حسابات حركة الفلك لن تنضبط أبداً على هذا النحو، ورأت فى كتابات «أريستارخوس السكندرى» صورة أخرى للأجرام السماوية، تتحرك فيها الأرض مع بقية الأجرام السماوية. لكن هذه الكتابات لم تكن مكتملة، فتمنت أن تكملها يوماً هى، فانهمكت فى الأمر حتى كادت أن تتمه، لولا قَتَلها المهووسون.. فتأخَّر على البشرية هذا الاكتشافُ زمناً طويلاً، حتى نهضت أوروبا وقال «كوبرنيكوس» مقالته عن مركزية الشمس فى المجموعة الفلكية التى تدور حولها الكواكب وهذه الأرض، فلا ثمة مركزية للإنسان ولا معنى لما اعتقده أهل الظنون من أن الرجل هو صورة الله.. فما الكلُّ إلا دوران فى دوران، وما الدئراة إلا أتم الأشكال، ومن هنا جاء الإشكال. ولذلك قال نيتشه، وهو قريب العهد بهذا الزمان:

«فى زاويةٍ بعيدةٍ من الكون، حيث تترامى آلاف النجوم والمجرَّات، جاءت على أحد الكواكب حيواناتٌ ذكية اسمها البشر، واخترعت المعرفة. وكانت لحظة الاختراع هذه، هى أكبر ما شهده التاريخ الكونى من زيفٍ، وتبجُّحٍ. غير أنها ليست سوى لحظة، إذ يكفى أن تتنهَّد الطبيعة، حتى يفنى الكوكب وتموت الحيوانات الذكية».

ليست هناك تعليقات: