الأحد، 19 فبراير 2012

هموم مصرية


همــوم مصــرية
الكاتب شكري بسطوروس
الهم الاول- هل الثورة من ثار، يثور أم من الثور؟:
هل يدرك المجلس العسكري لماذا تفجرت الأوضاع في مصر إبتداء من يوم السبت 19 نوفمبر؟ أنها ثورة جديدة للمواطنين العاديين البسطاء الذي سئموا التآمر الفج والمكشوف عليهم وعلى ثورتهم من المجلس العسكري والاسلاميين، برعاية أمريكية...
فبفضل القيادة الرشيدة في الفترة الانتقالية، تحولت ثورة 25 يناير الرائعة إلى فوضى ... الثورة التي وحدت الجميع: مسيحيين ومسلمين، حداثيين وسلفيين، رأسماليين واشتراكيين، انتهى بها الأمر اليوم إلى عدة صراعات على النفوذ، وصور شتى من الاحتجاجات والعصيانات حتى طالت أجهزة مفترض فيها الانضباط كالشرطة. أما فيما يتعلق بالحريات وحقوق الانسان فقد إزداد الواقع سوءاً. بل إنتهت الثورة إلى حالة مستمرة من الانفلات الأمني وأعمال البلطجة غير المسبوقة، بالاضافة إلى «وقف الحال» بسبب توقف عجلة الانتاج في الدولة لما يقرب من عام، خصوصاً في مجال السياحة الذي يعتبر أحد أهم ثلاثة مصادر للدخل القومي. حتى روح الأمل والتفاؤل التي سادت الأيام الأولى للثورة اختفت، وحل محلها رؤية تشاؤمية بسبب الصورة المشوشة والغامضة لمستقبل الوطن. كل هذا، في الوقت الذي يرى فيه المواطن العادي التكالب اليومي للمجلس العسكري والاخوان وبضعة احزاب كرتونية على كعكة حكم مصر ويسمع شجارهم حول من ينال منها نصيب الاسد!

لقد اصبح الشغل الشاغل للمصريين اليوم هو الخروج من مستنقعات «وقف الحال» والغياب الأمني والفوضى. أي بإختصار غياب الحكومة. فالشارع المصري اليوم يحكمه البلطجية الذين عن عمد تُرِكوا ليصولوا ويجولوا في الشارع المصري دون ضابط او رابط.
إن ما وصل إليه حال ثورة 25 يناير اليوم هو أمر مخطط ومدروس للقضاء على الثورة ولمعاقبة الشعب الثائر! فهي ليست فترة إنتقالية بل إنتقامية. لهذا ثار الشعب من جديد بسبب الهموم الثقيلة التي يعاني منها أكثر بكثير مما كان عليه الحال أيام المخلوع مبارك. مكمن الخطر هذه المرة ان الثائرون قد كفروا بقياداتهم قديمها وجديدها!
الهم الثاني- إنتخابات يعني «تصويت .. يا لهوي»:
كيف سيتم إجراء إنتخابات «نزيهة» في مصر تؤسس لدولة جديدة بدستور جديد في ظل إنتشار الفوضى والجريمة في البلد؟ من يضمن ألا تفسد العملية الانتخابية برمتها بسبب تفشي أعمال البلطجة، والتي لم تعدمها الانتخابات حتى في ظل القبضة القمعية لنظام مبارك ووزير داخليته العادلي؟ من يضمن سلامة عمليات التصويت ونقل الصناديق والفرز وإعلان النتائج؟ في أجواء الفقر و «وقف الحال» هذه، أين العاقل الذي لا يتوقع عمليات واسعة لشراء الأصوات والرشاوي الانتخابية التي لها سماسرتها المحترفون؟ هل مع إصرار المجلس العسكري على محاكمة المدنيين أمام المحاكم العسكرية، وفي ظل قانون الطوارئ، وعدم قبول المجلس العسكري المراقبة الدولية للانتخابات، هل ستتمكن منظمات المجتمع المدني من مراقبة الانتخابات بحرية ونزاهة؟ (في ظل قانون الطوارئ تم القبض على الكثير من نشطاء منظمات المجتمع المدني المشاركين في مراقبة إنتخابات مجلس الشورى سنة 2007 منذ فتح اللجان وحتى إغلاقها. كما تم التحفظ على تليفوناتهم المحمولة وأوراقهم الثبوتية لعدة أيام، ولم يحصلوا عليها إلا بعد تحقيقات في أمن الدولة).
ثم ماذا عن تصويت المصريين بالخارج؟ أين سيتم الانتخاب؟ هل في مقار السفارات والقنصليات؟ وهل هذا أمر عملي؟ فبحسب موقع السفارة المصرية على الانترنت: أمريكا بها السفارة المصرية في واشنطون دي سي وأربع قنصليات في كاليفورنيا ونيويورك وإلينوي وتكساس، فهل يعقل أن يذهب كل من يريد التصويت من المصريين في كل ولايات أمريكا إلى خمسة مواقع فقط؟ أم أن التصويت سيكون إلكترونياً؟ أم بالبريد؟ يفصلنا عن المرحلة الأولى للانتخابات أيام قليلة جدا ولا معلومات.
هل يظن المجلس العسكري ان ملايين الشعب المصري في الداخل والخارج سيقبلون بدور الكومبارس في مسرحية انتخابات هزلية سخيفة لتعود "ريما لعاداتها القديمة"؟!
الهم الثالث- الإدارة الامريكية .. وكثرة التكرار تعلم "الشطار":
من يقرأ تصريحات المسئولين الامريكيين - وفي مقدمتهم السيدة هيلاري كلينتون وزيرة الخارجية الامريكية بأن واشنطن على إستعداد للتعاون مع الاسلاميين إذا اسفرت انتخابات برلمانية نزيهة في مصر عن فوزهم - يدرك صحة المثل القائل بأن كثرة التكرار تعلم «الشطار»! فيبدو أن الادارة الأمريكية الحالية لم تتعلم من درس أفغانستان أيام الاحتلال السوفيتي لها. فحينها جمعت أمريكا المجاهدين الاسلاميين من شتى الدول العربية والاسلامية وأرسلتهم لمحاربة الاتحاد السوفيتي بالوكالة بعد أن دربتهم وسلحتهم ومنهم خرج تنظيم القاعدة حينها. فلما انتهت الحرب مع الروس استدار المجاهدون من خلال تنظيم القاعدة على عدوهم الأكبر.. امريكا! وقد طالت يد تنظيم القاعدة المصالح الأمريكية في أكثر من مكان حول العالم بما في ذلك تفجيرات 11 سبتمبر 2001. بل لم تتعلم الادارة الأمريكية الحالية من درس إيران الخوميني، ولا من درس العراق التي أعلنت إدارة بوش الإبن عن رغبتها أن يكون واحة للحرية والديمقراطية ثم تركته ليحكم من خلال المرجعيات الدينية، فانتهي الأمر ليكون حضانة للإرهاب خصوصاً ضد الأقليات اللآئي نُهِبت وقُتِلت وتشتت في المهاجر.
وحالياً لا تتوقف إدارة أوباما عن دعمها للإسلاميين ضد الليبراليين في كل دول الشرق الأوسط. المهم ان تكون هناك حكومة تتعهد بعدم محاربة إسرائيل وتضمن تدفق البترول لأمريكا، ولتذهب حقوق الانسان وقيم الحداثة الغربية للجحيم. كتب د. عصام عبدالله استاذ الفلسفة المصري: "في أحد خطابات أوباما الأخيرة تكلم عن وضع البحرين وطلب من الحكومة أن تتعامل مع (جمعية الوفاق) بالإسم، وهي جمعية إسلامية شيعية تربطها علاقات وثيقة بأمريكا، دون أن يذكر رئيس أكبر دولة ديمقراطية - يفترض أنها تؤمن بالتعددية والتنوع والاختلاف - أيا من تيارات المعارضة السياسية الرئيسية الأخرى أو يدعو الحكومة البحرينية إلى التحاور مع قوى المعارضة في المطلق".
بل أن الإدارات الأمريكية المتعاقبة دعمت دكتاتورية الحكام العرب خلال العقود الأربعة الأخيرة - على أقل تقدير - فقط من أجل ضمان تدفق البترول وهي تعلم أنهم بانوراما للجهل والفساد والإستبداد والقبلية، إن القول بأن الإدارة الأمريكية الحالية تريد ديمقراطية حقيقية بمصر أو بمنطقة الشرق الاوسط هو كذبة كبرى. فالمنطقة غنية بالبترول وتعتبر من أهم مناطق نفوذ الرأسمالية الأمريكية. وأي ديمقراطية حقيقية ستكون خطرا على حكام المنطقة المتحالفين مع أمريكا الذين فى ظل حكمهم وبسببهم نمت الحركات الإسلاموية والسلفية التى هي في حالة تضاد مع قيم العصرنة والحريات العامة التعددية وقبول الآخر. أي في حالة تضاد مع كل قيم الغرب الحداثية. والسؤال الذي يطرحه المفكر المصري د. طارق حجي: "كيف لا يتعامل الغرب مع منظومته القيمية كأهم مصالحه؟ كيف يعطي الغرب الأولوية لمصالحه الإقتصادية على نسقه القيمي"؟.
قال أحد الأصدقاء: السياسة الأمريكية يحكمها عاملان، الأول المصالح والثاني الضعوط الشعبية. هذا القول الصائب يحتاج منّا أن نركز الجهود على العامل الثاني من خلال مخاطبة الشعب الأمريكي بكافة الطرق.
الهم الرابع- شهداء ماسبيرو ... ذكرى وعبرة:
في ذكرى شهداء ماسبيرو احتفلت الكنيسة وكثير من النشطاء مع أسر شهداء ماسبيرو بذكراهم العطرة التي حلت يوم 20 نوفمبر 2011. ولكن كلٌ بطريقته، فالكنيسة بصلوات القداس، والنشطاء بالمسيرات. ففي القاهرة وحدها خرجت مسيرتان الأولى كانت رائعة ومرت بسلام، أما الثانية فتم الاعتداء عليها بوحشية من قبل سلفيين مما أدى إلى إصابة العشرات بعضهم إصابته خطيرة. في لوس انجيلوس بكاليفورنيا خرجت مسيرتان أيضاً يوم 20 نوفمبر، لتأبين الشهداء وللاحتجاج على أنه لم يُقدَم أحد من الجناة العسكريين أو المدنيين للمحاكمة إلى اليوم؟ فمن الذي دهس هؤلاء الشهداء بالمدرعات؟ من الذي أطلق عليهم الرصاص؟ من أصاب 300 شخص باصابات بليغة وعاهات مستديمة رغم أن كل جريمتهم هي التظاهر السلمي؟ من وراء إذاعة التلفزيون المصري لأخبار كاذبة أزهقت أرواح كثيرين وكادت تشعل حرباً أهلية؟ لماذا لم يحاكم الجناة أو من أعطوهم الأوامر؟ لماذا لم يُفرج عن الـ 38 قبطي المقبوض عليهم بالاضافة إلى الناشط الحقوقي علاء عبد الفتاح على ذمة التحقيقات؟ كيف تحول الجلاد إلى ضحية والضحية إلى جاني؟ متى يخضع المجلس العسكري لقوة الحق لا لحق القوة؟ يقول الكتاب المقدس في سفر أيوب لكل من ينتظرعدل الله والذي قد يبدو متأخراً: "فإذا قلت أنك لست تراه، فالدعوى قدامه، فأصبر له". (سفر أيوب 14:35).
إن ذكرى هؤلاء الشهداء تذكرنا بشهيد الدفاع عن الحق، القديس يوحنا المعمدان الذي بسبب قولة حق لملك عاصي قُطِعت رأسه. عن هذا الانسان قال السيد المسيح: «الحق أقول لكم: لم يقم بين المولودين من النساء أعظم من يوحنا المعمدان» (مت 11:11).
في ذكري شهداء ماسبيرو يجدر بنا تذكر كلمات الوحي الالهي لنا: «اِفْتَحْ فمك. اقْضِ بالعدل وحام عن الفقير والمسكين» (أمثال 9:31).
فلنُصلِ جميعاً للرب القدير أن يتدخل في كل هذه الهموم. 

ليست هناك تعليقات: