الأحد، 19 فبراير 2012

لماذا فاز الاسلاميون بالأغلبية في الانتخابات المصرية ؟


الكاتب شكري بسطوروس
هل فوز الاخوان المسلمين بأكبر نسبة تصويت في انتخابات مجلس الشعب يعود فقط لأنهم فصيل سياسي قديم ومنظم، يعمل في العلن والخفاء منذ نشأته عام 1928؟ إذن كيف نفسر فوز حزب النور السلفي الذي لا يزيد عمره عن عدة شهور؟!
الحقيقة ان فوز الاسلاميين بغالبية اصوات المصريين حتى الآن يعود إلى عدة عوامل اقتصادية وسياسية وثقافية وإجرائية....
اما الاجرائية فيمكن إيجازها في الاتي:
-1الخطاب التكفيري للاسلاميين الذين إدعوا أن من ينتخب الليبراليين أو العلمانيين أو الاقباط هو كافر لأنهم كفار، بل وصل الامر إلى تسمية الكتلة المصرية بالكتلة الصليبية! في المقابل اعتبر الاسلاميون ان من يصوت لهم انما ينصر الله على القوم الكافرين، ويضمن الجنة لأنه يصوُّت لنشر شرع الله!! هذه الدعاية السوداء أثرت بشدة على البسطاء والاميين.
-2إنقسام دعاة الدولة المدنية إلى أكثر من 10 أحزاب
، بعضها كوَّن تكتلات والبعض الآخر نزل كأحزاب مستقلة مما أدى إلى تفتيت الاصوات وكان الأولى بهم جميعاً تشكيل كتلة و
-3صعوبة عملية التصويت على الناخب الامي او قليل التعليمفالطوابير الطويلة أمام اللجان لم يكن سببها فقط الاقبال على التصويت بل ايضاً كيفية التصويت. فقد تعود الناخب المصري أن يصوت في ورقة واحدة صغيرة بها رموز قليلة، يضعها في صندوق واحد وانتهي الأمر، اما هذه المرة فطريقة الانتخابات محيرة فعلا، فالأحزاب كثيرة (56 حزب) وأسماء المرشحين على الفردي أكثر، وبالتالي فبطاقات التصويت لكل ناخب تتراوح بين 6 و 10 ورقات.. ومقسمة إلى مجموعتين مختلفتين توضع كل مجموعة في صندوق مختلف وهو امر شديد التعقيد على من يجهل القراءة والكتابة. مما جعل هؤلاء البسطاء يقبلون "مساعدة الاسلاميين"المتواجدين خارج وداخل اللجان الذين صوتوا لأغلبيتهم بالنيابة!
-4سهولة شراء الاصوات الانتخابية.. حيث يعيش 40% من المصريين تحت خط الفقر. يذكر تقرير بلومبيرج الأمريكى للأنباء الصادر في 19 سبتمبر 2011 أن مصر بها 1109 مناطق عشوائية و 12 مليون مواطن بلا مأوى، كما أن نسبة البطالة 22%. و 50% من أطفال مصر مصابون بالأنيميا، و 29% منهم مصابون بالتقزم (كلاهما من أمراض الفقر). وقد لعب الاسلاميون على هذا الوتر الحساس بمهارة خلال حملاتهم الانتخابية في المناطق الفقيرة ذات الكثافة السكانية وبالتالي التصويتية العالية! فقديماً قيل "الشعوب تزحف على بطونها " والحاجة إلى الطعام تسبق الحاجة إلى الحرية بحسب عالم النفس الشهير مازلو. لذلك فإن تقديم الاسلاميين بعض السكر والفول والعدس خلق لدى أولئك المحتاجين إحساساً بالامتنان وأكسبهم ثقتهم. كما أن التلويح بغرامة الـ 500 جنيه لمن لا يصوت في الانتخابات دفعت الكثير من البسطاء للذهاب إلى لجان الاقتراع دون أن يحددوا لمن سيصوتون.
-5تزوير فعال يصعب اثباته، فعلى سبيل المثال لا الحصر:
I   -وجود ملايين البطاقات غير المختومة بختم اللجنة العليا للانتخابات أثار لغطاً كثيراً حول ما إذا كانت اُحتسبت ضمن البطاقات الصحيحة أم الباطلة. وهو ما جعل العديد من الناخبين يمتنعون عن التصويت كما حدث بلجان مدينة نصر. وبسبب ذلك صرح المستشار عبد المعز إبراهيم رئيس اللجنة العليا للإنتخابات أنه من الممكن أن يتم الإستعاضة عن ختم اللجنة العليا للانتخابات بتوقيع رؤساء اللجان عليها! وهنا نسأل: لماذا لم تُختم هذه البطاقات اصلاً؟ ماذا لو لم ينتبه الناخب لعدم وجود الختم على البطاقات وبالتالي لم يوقع عليها رئيس اللجنة؟! وهل هذه مسئولية الناخب؟ وماذا عن الناخب العادي الذي لا يعرف ان البطاقة يجب أن تكون مختومة؟ هكذا تم إهدار مئات الالوف من الاصوات اثناء الفرز! أليس هذا دليل على وجود نية للتلاعب، خصوصاً وأن هناك إتهامات بأن البطاقات غير المختومة كانت تُعطى لأناس بعينهم مثل غير المحجبات؟!
II -تسريب عشرات الآلاف من البطاقات الإنتخابية - كما حدث في سوهاج وغيرها - دون التحقيق في كيفية تسريبها، فضلاً عن التعتيم الشديد على الموضوع. تسريب هذه البطاقات يثير الشكوك في نتائج الانتخابات بسبب ما يسمى بـ «البطاقات الدوارة» حيث يدخل الناخب الذي باع صوته ومعه أوراق تصويت أُعطيت له بعد أن تم التأشير عليها لصالح حزب بعينه. وكل ما على الناخب أن يخفي الاوراق البيضاء التي أعطاها له القاضي في ملابسه خلف الستارة ثم يضع الاوراق التي دخل بها في الصندوق ويخرج ليعطي الاوراق البيضاء لمن اعطاه الاولى ويقبض «المعلوم» وتستمر الدورة!
III -أدى تسريب هذه البطاقات إلى محاولات تزوير على المكشوف كما حدث في حلوان من محاولة رشوة القاضي ثروت احمد حلمي الذي قدم بلاغا للجنة العليا للانتخابات يتهم فيه مندوب احد مرشحي حزب الحرية العدالة بعرض رشاوى مالية عليه حتى يسمح له بملء الصناديق ببطاقات ترشيح احضرها المتهم لصالح الحزب. وبالرغم من ان المتهم جرى التحقيق معه وخرج بكفالة، فلم يقبض على أياً ممن سربوا له اوراق الترشيح التي كانت بحوزته ولا حتى تم استدعائهم للتحقيق!
IV  -وجود مندوبين للاسلاميين داخل كل اللجان يطاردون الناخبين حتى إلى ما وراء الستارة - وفي وجود القضاة - بادعاء مساعدتهم على الادلاء بأصواتهم. وهذا أمر يطعن في نزاهة الانتخابات ونتائجها.
V  -ووجود أخطاء فى ترتيب المرشحين بأوراق التصويت، وتغيير أرقامهم في الكشوف، علماً بان هذا لم يحدث مطلقاً مع اياً من المرشحين الاسلاميين الذين يأتي ترتيبهم عادة في اول الكشوف!
VI  -عمليات تصويت جماعى فى لجان بالجيزة، والإسماعيلية، وأسوان وغيرها، بعضها مصور بالفيديو. بل وصل الامر في لجنة 144 بالبتانون منوفية أن القاضى كان يؤشر على بطاقات التصويت للناخبين بنفسه لصالح حزب الحرية والعدالة، ورغم إبلاغ رئيس اللجنة العليا للانتخابات وعمل محضر رسمي في الشرطة، فلم يحدث اي شيء!
VII  -عدم الكشف عن هوية الناخبات المنتقبات اللآئي تم استخدام الكثيرات منهم للتصويت عشرات المرات ببطاقات رقم قومي تم جمعها من نساء لم يصوتن في مقابل مادي.
VIII  -انكار اعضاء اللجنة العليا للانتخابات والمسئولة عن ادارتها كل هذه الوقائع او محاولة الالتفاف عليها بتفسيرات عجيبة، بل واهمال كافة الشكاوى التي تقدم بها مرشحون متضررون من هذا التزوير، مما يؤكد وجود تواطئ! ومما جعل المرشحين المتضررين يلجأون للقضاء كما في انتخابات الساحل التي حكم القضاء باعادتها نظراً لفقدان 92 صندوقاً!
اما العوامل السياسية والاقتصادية والثقافية فهي:
-6صفقة المجلس العسكري مع الاسلاميين للقضاء على الثورة مقابل تهدئة الشارع. فالمجلس العسكري ضحى بمبارك وبعض زمرته من أجل الحفاظ على النظام الذى يعتبر الجيش ركيزته الاساسية. وقد بدأت تتضح معالم تلك الصفقة اليوم، فللاسلاميين البرلمان والوزارات غير السيادية كالزراعة والتجارة والتعليم، وللعسكر الرئاسة والوزارات السيادية كالدفاع والداخلية والخارجية. لذلك سمح المجلس العسكري لكل تياراتهم بالعمل السياسي والتلميع الاعلامي طوال العشرة شهور الماضية، حتى ترتفع شعبيتهم إلى أقصى حد استعداداً للانتخابات.
-7أصرار المجلس العسكري على اجراء الانتخابات في قمة احداث "الثورة الثانية" ودون توعية كافية للشعب - ولو حتى بطريقة ملء بطاقات التصويت - كان له أثره الكبير في فوز الاسلاميين. والحقيقة أن المجلس العسكري يرمي من وراء ذلك ليس لمجرد تحقيق الهدف السابق فحسب بل يرمي إلى هدف أبعد... المعروف ان الاسلاميون ليس لديهم مشروع سياسي اقتصادي شامل، فلا تجد في أدبياتهم أو خطابهم الاعلامي أي خطط واضحة المعالم للنهوض بالاقتصاد أو التعليم او الصحة أو حلولاً لمشكلات البطالة والفقر والعدالة الاجتماعية، بل كل اهتمامهم منصب على الجانب الاخلاقي كالخمر والنقاب والفن والادب والاختلاط، وتطبيق حدي السرقة والزنا وكأن المصريين شعب منحل من السكارى والعرايا يمارسون الزنا والسرقة طوال الوقت! المشكلة تكمن في أن أصحاب الفكر الايدولوجي لا يهتمون بالفرد ولا حتى بالمجتمع بل بفرض ايدولوجيتهم على أرض الواقع. هذا بحد ذاته يؤشر لفشل حكمهم مقدماً كما هو حادث في السودان والصومال وافغانستان وإيران مما يفتح الأبواب على مصراعيها لانقلاب العسكر عليهم والانفراد بالحكم مرة أخرى!
-8الرعاية الامريكية والغربية لتمرير الصفقة المشار إليها، ذلك لأن الغرب يريد حكومة إسلامية مؤدلجة يسهل التعامل معها من خلال فهم ايدولوجيتهم وبالتالي يمكن توقع قراراتهم قبل أن يتخذوها، فضلاً عن أن وجود حكومات إسلامية يشجع الإسلاميون على العودة من الغرب، بل ويغلق أبواب الهجرة فى وجوههم كمضطهديهن في بلدانهم الأصلية، مما يوقف تصدير الراديكالية الاسلامية للغرب. أهم من كل ذلك أن الغرب لا يريد ديمقراطية حقيقية في البلدان التي قامت بثورات في المنطقة خوفاً على مصالحه الاقتصادية. لأن قيام ديمقراطيات في بلاد الثورات على النمط الغربي تضمن الحريات العامة وحقوق الانسان وسيادة القانون يعني بالضرورة انتقال عدوى الثورات إلى أنظمة الحكم الخليجية العشائرية الاستبدادية المتحالفة مع الغرب، مما يؤثر على تدفق البترول وأسعاره إلى الغرب الذي يعاني اصلاً من مشكلات اقتصادية طاحنة لا تحتمل المزيد.
-9تمويل الحكام الخليجيين للاسلاميين بمبالغ طائلة ليتم القضاء على ثورة 25 يناير المطالبة بالديمقراطية، وذلك خوفاً على عروشهم التي باتت مهددة بالسقوط، ولإرسال رسالة لشعوبهم مفادها أن من يثور على حاكمه يفقد أمنه وسلامه ورزقه ولن يصل لديمقراطية حقيقية بل ينتقل من سيء إلى اسوأ.
-10نسبة الأمية بين أبناء الشعب المصري تصل إلى 50%. ويذكر تقرير الأمم المتحدة للتنمية البشرية لعام 2010 ان 17% من الشباب في الفئة العمرية (29 - 18 سنة) لم يستكملوا التعليم الأساسى و 10% منهم لم يلتحقوا قط بالتعليم، فضلا عن تدنى جودة التعليم. والمعروف أن هناك علاقة طردية بين الجهل من جهة وبين التفكير الغيبي واللجوء المريض للدين نتيجة عجز الانسان عن حل مشكلاته اليومية من الجهة الأخرى. من هنا جاء التصويت لصالح "بتوع ربنا".
-11اسلمة المجتمع التي تبناها الرئيس "المؤمن" السادات منذ عام 1971 من خلال التعليم والاعلام. وعلى نهجه سار مبارك. هذا يعني ان المصريون المولودون منذ ذلك التاريخ وتأثروا بهذه الثقافة تزيد نسبتهم عن 60% من الشعب. فطوال عهدي السادات ومبارك سُمِح لتيارات الاسلام السياسي بالعمل في المساجد والجمعيات الاهلية وغيرها لتكوين مؤيدين في الحدود التي لا تشكل خطراً مباشراً على نظام الحكم، في حين مُنع الليبراليون تماماً من العمل في الشارع السياسي. بل حتى حينما حاول نظام مبارك إجهاض كل قوى المعارضة في سنواته الأخيرة، فإن الوحيدين الذين نجوا من قمعه كانوا الاسلاميين، حيث إن المساجد هى المكان الوحيد الذى لم يكن في مقدور النظام السابق إغلاقه.
-12أخيراً، فشل وفساد أنظمة الحكم المتعاقبة سياسياً وإقتصادياً واجتماعياً وتعليمياً وثقافياً منذ إنقلاب العسكر 1952، مما دفع المواطن المأزوم للتصويت للمتدينين "اللي بيتقوا ربنا"... في هذا يقول د. طارق حجي: "المسؤلون عن تقدم التيارات الدينية في الانتخابات البرلمانية المصرية الأخيرة هم حسني مبارك وطغمته الفاسدة ورجال ونساء عصابته، وأيضا كل من شارك في حكم مصر خلال العقود الستة الاخيرة".
هل من فرصة لانقاذ مصر من كارثة الدولة الدينية؟ ما نأمله أن ينجح ممن يؤمنون بالدولة المدنية ما يكفي لتكوين معارضة كبيرة وقوية داخل مجلس الشعب الجديد. ما نأمله أن يتحرك الاقباط وكل مصريي المهجر المؤمنين بالدولة المدنية للضغط على الادارة الامريكية الحالية من أجل ضمان الحريات العامة وحقوق الانسان في مصر أياً كان النظام الذي سيحكم البلاد. ما نأمله أن يشارك الاقباط في الداخل والخارج في الانتخابات وفي الاحزاب السياسية المصرية ومنظمات المجتمع المدني المصرية ليكون لهم تواجد مؤثر ودائم داخل المنظومة السياسية المصرية مع اخوتهم المسلمين مؤيدي مدنية الدولة. ما نأمله ألا ييأس كل من يؤمن بالدولة المدنية من إمكانية التغيير بكافة الوسائل المشروعة. وبالنهاية مازال ميدان التحرير الذي اسقط مباركيتوسط القاهرة.

ليست هناك تعليقات: