الاثنين، 6 يونيو 2011

جريمة دينية أخرى فى مصر ما الجديد؟

جريمة طائفية أخرى فى مصر.. ما الجديد؟


بقلم   د.عماد جاد 
المصرى اليوم


إمبابة.. مكان قديم جديد، أضيف إلى قائمة مسارح أحداث الاعتداءات الطائفية فى مصر التى لم تتوقف منذ اعتلاء السادات السلطة عام ١٩٧٠، وتكررت عشرات المرات فى أماكن مختلفة، بأشكال مختلفة، وكانت المبررات والدوافع مختلفة، لكن الجوهر واحد هو تعرض مسيحيين مصريين، بشكل مباشر أو عبر استهداف دور العبادة، لاعتداءات وصلت فى بعض مشاهدها إلى التمثيل بالجثث، وفى أخرى إلى تدمير هيستيرى لمحتويات الكنائس، وشهدنا فى أواخر أيام نظام مبارك تفجيرا لكنيسة القديسين بالإسكندرية، على غرار تلك التفجيرات التى تقع فى باكستان والعراق حيث ينشط تنظيم القاعدة. جريمة إمبابة، التى شهدت حرق كنيستين، إفراز طبيعى وحصاد مر لسنوات من زرع الطائفية فى أرض مصر، وتعمد النظام السابق تمكين المجرم من الإفلات بجريمته كى يعد لأخرى، ففى عهد النظام السابق جرى تبنى خطة محكمة لضمان عدم معاقبة الجناة فى جرائم الاعتداءات الطائفية.
ففى البداية جرى توظيف مبدأ قانون هو « شيوع الجريمة»، وذلك عبر التأكيد على عدم معرفة من قتل من، ومن ثم لا يمكن فرض عقوبة فى هذه الحالة (جريمتى الكشح الأولى والثانية)، وإذا تم إحكام الأدلة على الجانى، تجرى مساعدته عبر التشكيك فى قواه العقلية أو القول بأنه مضطرب نفسيا (طعن المصلين فى كنائس بالإسكندرية، وجريمة جندى قطار سمالوط) وإذا فشلت هذه الذريعة فهناك على الدوام جلسات الصلح العرفية التى تمكن الجانى من تجنب تطبيق القانون المدنى عليه. عبر هذه السبل لم يحكم على شخص واحد فى جرائم العنف الطائفى، وأول حكم هنا كان من نصيب المتهم الأول فى جريمة نجع حمادى.
وفق هذه الرؤية، التى وضع أركانها السادات، وحافظ عليها مبارك تفاقمت الاعتداءات الطائفية فى مصر وتصاعدت حدتها، وفى الوقت نفسه تواصلت عمليات تغذية التطرف والتشدد، وزادت أجواء الاحتقان بفعل معادلة كريهة بين الكنيسة المصرية ونظام مبارك قامت على أساس تلبية مطالب شخصية، فئوية، مادية للكنيسة (بناء أو ترميم كنائس، إعادة زوجة كاهن للكنيسة رغما عنها حتى لا تهتز هيبة المؤسسة، اتصالات لمصالح شخصية) مقابل حشد الأنصار للحزب الوطنى ولرأس النظام، وبدا كأن كلاً منهما راض عن المعادلة رغم ما ترتبه من زيادة للاحتقان، دفعت بالمجتمع إلى شفا حرب أهلية.
وإذا كانت جريمة إمبابة حلقة ضمن مسلسل جرائم العنف الطائفى فى مصر، فما الجديد فيها؟ هل الجديد أنها جاءت بعد ثورة ٢٥ يناير، تلك الثورة التى وحدت صفوف المصريين وأعادت للأغانى الوطنية روحها، بعدما ظلت كلمات بلا روح طوال عصر السادات، ثم مبارك؟ الإجابة لا، فقد سبقتها جرائم هدم كنيسة قرية صول، ووقائع قنا والتحريض الطائفى المتواصل، وتصدَّر المتشددون ودعاة الفتنة مشاهد مركبة ومصطنعة تحت لافتة تسوية الأزمة؟
الجديد بحق هو تراكم مؤشرات توحى بتوجه متعمد للوصول بمصر إلى حافة الفوضى.. أطراف كثيرة محلية وإقليمية شاركت فى التخطيط والترتيب وتهيئة الأجواء للوصول بنا إلى المشاهد التى حدثت فى إمبابة، أطراف متباينة فى المواقع والأماكن والمسؤوليات داخل مصر وخارجها، تنوعت دوافعها، لكنها التقت على هدف واحد هو أن يكون المشهد الأخير فى الثورة المصرية البيضاء السلمية مشهدا أكثر دموية ومتشحا بالسواد، حتى لا يستنشق شعب آخر فى المنطقة عبق ثورة «اللوتس» المصرية، ويفكر فى الإطاحة بالنظام القائم،
 فمهما يكف جور وظلم هذا النظام، فهو يوفر لهم الأمن والأمان والاحتياجات الأساسية، ومن بيننا من أراد أن يكون المشهد خطرا وأن تصل الأمة إلى حالة الانقسام والخطر حتى يكون الاختيار بين الحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية– شعارات الثورة المصرية- وبين الأمن الشخصى، وبما أن حب البقاء غريزة أساسية لدى الإنسان فالاختيار محسوم، ومن ثم تتحول إنجازات الخامس والعشرين من يناير إلى حركة تغيير لا ثورة، حركة تغيير أطاحت بسيناريو التوريث وسجنت بعض الفاسدين من رجال الأعمال، واختصرت مدة الرئيس من ست إلى أربع سنوات، وجعلت الحد الأقصى لوجوده فى السلطة ثمانى سنوات فقط لا غير، وفتحت طاقة أوسع من الحرية والحق فى تشكيل الأحزاب السياسية.
 الجديد أن هذه المعادلة يجرى تنفيذها عبر التعاون مع دول عربية توصف بالرئيسية، تحلم بوراثة دور مصر، وظنت أن ما لديها من ثروات مادية ووفرة نفطية يمكّنها من شراء الدور والمكانة. الجديد أيضا أن من بيننا جماعات وحركات لُوِّح لها أو تم الاتفاق معها على دفع السلطة التشريعية إليها سريعا، ومن ثم فهى تشارك بهمة وحماس فى أجواء الفوضى وترويع المصريين.
كثيرة هى الأطراف التى تريد معاقبة مصر والمصريين، وتحديدا القوى المدنية على قيامها بتفجير الثورة. البعض يريد الاكتفاء بما تم إنجازه، والآخر يريد مزيدا من الدماء والسواد فى شوارع مصر، حتى يكره البسطاء من المصريين يوم الخامس والعشرين من يناير ويعود مجددا عيدا للشرطة، وهناك من يريد أن يكون المصريون- لاسيما أنصار الدولة المدنية ذات المرجعية الدينية - عبرة لشعوب المنطقة التى يمكن أن تفكر فى التحرك بحثا عن الحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية.
جربوا الوصول إلى هذا الهدف عبر الانفلات الأمنى، أعمال الإرهاب والبلطجة مدفوعة الأجر، فشكل المصريون لجانا شعبية، وتحملوا دفع ثمن إنجاح ثورتهم، أطلقوا قوى راديكالية تقسم الوطن وتكفر مصريين، تقول لهم (مسلمين ومسيحيين) مكانكم فى كندا وأمريكا وليس هنا، لا مكان لكم فى مصر، لمجرد أن مصريين قالوا (لا) فى زمن كان المطلوب فيه قول (نعم)، ولم يتوقفوا، أما مَن دعا إلى التصويت فتعامل مع نتيجة (نعم) على أنها (لا) فأصدر الإعلان الدستورى. وما إن تجاوز البلد الفخ، وعبر تداعيات «غزوة الصناديق» حتى جاءت سلسلة الهجمات على الأضرحة، وهى العملية التى تم تجاوزها عبر لقاءات وحوارات حسمتها قوة أتباع الصوفية فى مصر.
وجاءت الخطوة التالية، وهى العودة إلى المربع الأول- تغذية الانقسام الدينى فى مصر، إهانة العقيدة المسيحية، سب رموز المسيحية، ثم استهداف المسيحيين ودور العبادة، وما موقعة إمبابة إلا حلقة جديدة ضمن هذا المسلسل.
الجديد، أيضا، هو أن المسيحيين فى مصر قد تغيروا، تغيرت شرائح كبيرة من المسلمين المصريين، فتغيرت معهم الأجيال الجديدة من المسيحيين، فى الأجيال السابقة كانت الحياة المشتركة والأرضية الوطنية وبقايا المدنية توفر مداخل لاحتواء العنف الدينى، تراجعت هذه العناصر وأفسحت المجال أمام جيل جديد من الشباب المسيحى لم يعش تجارب الحياة المشتركة، جيل منقسم فى كل شىء، هذا الجيل بدأ برفض المعادلة التقليدية بين الدولة والكنيسة، خرج بعيدا عن أسوارها، نظم المظاهرات والمسيرات، قطع الطرق، دخل فى اعتصامات، وبينهم فئة أكثر تشددا تتطلع إلى التدخل الدولى والحماية الدولية.
المهم أن هذا الجيل ناقم بشدة على الأجيال السابقة عليه، يراها هادنت، استكانت، لم ترفع الصوت، لم تحتج، لم تدافع عن عقيدتها ونفسها، وآن الأوان لأن تتنحى الأجيال السابقة عن المشهد، وأن يتركوا الجيل الجديد يدافع عن نفسه وعقيدته بكل ما يملك بما فى ذلك السلاح، وهو ما بدا واضحا من حوار مع بعض منظمى الاعتصام أمام ماسبيرو، الذى كان رده باستمرار أن المسيحية المصرية صاحبة تاريخ طويل وعريق فى تقديم التضحيات (فكر الاستشهاد).
الجديد خطير ومرعب فى حال استمرار العنف الدينى دون رادع قوى، الجديد يمكن أن يتجاوز ما قاله وزير العدل المصرى بأن مصر أمة فى خطر، الجديد أننا تجاوزنا مرحلة الخطر إلى مرحلة الوقوف على شفا حرب أهلية، بكل ما يمكن أن تحمله من وضع مصر على أول طريق السيناريو اليوغوسلافى.
المطلوب تطبيق حزمة القوانين الخاصة بتجريم التمييز والتحريض على الكره والعنف، وتجريم التظاهر أمام دور العبادة وغيرها من قوانين.. الجدية والحزم فى تطبيق القانون على الجميع.. عدم إفلات أى مجرم، سواء كان محرضا أو قاتلا أو معتديا من العقاب. مطلوب ذلك أولا، ثم بعد ذلك وضع خطة طويلة المدى لتجفيف ثمار الكره، العنصرية، التطرف والتعصب التى غرس بذورها السادات وتولى رعايتها مبارك، وتتواصل ثمارها المرة فى السقوط على رأسنا جميعا. المطلوب التحرك العاجل والسريع قبل فوات الأوان، ولن يحقق ذلك من ترتعش يداه أو ينطلق من حسابات شخصية مباشرة.

بقلم   د.عماد جاد 
المصرى اليوم

ليست هناك تعليقات: