الخميس، 17 سبتمبر 2015

محمد طعيمة يكتب : هل يكمل السيسي انتحاره.. تاريخياً؟

"أمثالنا إللي بيعملوا الدساتير"، رد أنور السادات على أحمد بهاء الدين، حين نبهه إلى أن ما يفكر فيه يخالف الدستور، الذي صدر بداية حكم "الردة"، لنصل إلى ما نحن فيه.

" راجع نفسك يا سيسي ومش عيب، مشكلة مبارك كانت العند"، من يهدد رئيس الجمهورية هنا، مازال صوته "يولول" على اليوتيوب منذ 14 أبريل 2012،: "سيبوني، حرام عليكم، أنا ما عملتش حاجة". حين قبض عليه بتهمة التحريض على قتل ثوار التحرير يوم "موقعة الجمل"، وحُبس على ذمتها لأشهر، بالتوازي مع تواطأ الاجهزة، لإنقاذه، ضمن بقايا نظام حسني مبارك، من عقاب مُستحق، وضروري لبناء دولة القانون.

من يهدد هو مرتضى منصور، بصورته المُترسخة لدى الرأي العام، وبما يردده عن صداقته لمدير مكتب الرئيس، عباس كامل، واصفا إختيار السيسي لرئيس الوزراء المُكلف، بأنه: "تهريج، مين شريف إسماعيل ده؟، كان بيقعد على حجر محمد فودة"، و"متهم بأشياء أخلاقية". يُذكرنا الإتهام الأخير بتوصيف لـ المُكلف، ورد في احدى "التسريبات".

إتهامات، كاشفة عن تدني تناطح رجال الأجهزة، وتحولها لعشائر متنافسة، وعن فوضى تدفع للتساؤل: "مين بيلعب مع مين؟".

***

السبب الرئيسي لتفضيلي فوز السيسي بالرئاسة، رغم تصويتي لحمدين صباحي، هو خشية صراع الأجهزة، بعد التجريف الذي تعرضت له خلال سنوات الرماد الأربعين. وقتها تذكرت نبوءة أسامة أنور عكاشة، للمصري اليوم 3 أكتوبر 2006،: "مستقبل مصر دراما معقدة، والبطل القادم من جنرالات الظل".

جنرال، قناص، أت من جهاز معلوماتي، حسم موقفه مبكرا من لعبة التوريث، فرديا ومؤسستياً. دائما ما يمتدح تجربة الصعود الوطني الستينية. والأهم، مدعوم من "مؤسسة الحديد"، المرهوبة من شقيقاتها، والمقدسة عند غالبية الشعب، ومن قبل ومن بعد "مدرسة الوطنية". نجت، نسبياً، من تجريف بدأ بتوجه أنور السادات للعب مع الأمريكان والإسلاميين، وكلاهما عدو بالطبيعة لفكرة الصعود القومي، وترسخت مع تصعيد حسني مبارك، ليكون الثُقل الذي يجذب مصر للقاع، فقط ضع شخص غير كفؤ على رأس مؤسسة ما، سيدمرها.

"لم يكن مبارك مشغولا بصورته في التاريخ"، كما وصفه ديك تشيني، بعكس السيسي، القادم من الظل. كان شاغله: كيف أكون التجربة الثالثة لصعود مصر، بعد محمد علي وعبدالناصر، وتقديرا للأول سمي ميدان المؤسسة، بوابة القاهرة البحرية، باسمه، بعد إعادة تصميمه بصورة عصرية. "علي" لم يكن لتنجح تجربته إلا بمذبحة المماليك، انتظرناها من السيسي بسيف القانون.

لا أحد يستنسخ شخصية أو مرحلة، التاريخ دائما يحفر مجراه الخاص، وفق آلية التعامل مع معطياته، لا وفق التصورات الذهنية، مع ذلك تفرض المقارنة نفسها. قامت يوليو من أجل مباديء ستة: 1- القضاء على الإقطاع. 2- على الاستعمار. 3- على سيطرة رأس المال على الحكم. 4- إقامة حياة ديمقراطية سليمة. 5- جيش وطني قوي. 6- عدالة اجتماعية.

رحل عبدالناصر تاركا "دولة نموذج"، وفق عصره، لشعوب قارات ثلاث على الأقل. حقق نجاحا متفاوتا في خمس مباديء، وفشل في الرابع، الذي ظل الفريضة الوطنية الغائبة: "حياة ديمقراطية سليمة". ومن أجلها، وضد التراجع عن مكتسبات الخمس، تفجرت ثورة 25 يناير وموجتها الثانية في 30 يونيو.

كان مطلوبا من السيسي أن يرمم ما هدمته الردة، ويؤسس للفريضة الغائبة، فهي الحماية الحقيقية لأخواتها الخمس، ليقود "دولة نموذج"، وفق عصره، بها يتجاوز عبدالناصر. لم يفعلها.



***

كما القطاع الأعظم من الشعب، توقعت أن يتسعيد السيسي المباديء الخمس المُهدرة، وأن يدشن للرابع. افتتح وجوده العام، 3 يوليو 2013، بمشهد يجمع ممثلي الامة، ليُعلن باسمهم تحرير البلد من "هكـ سوس" الإسلام، وقبلها وبعدها تعهدات لا تتوقف بمصر مُتطهرة من "بلادة وفساد وفشل" عهد مبارك. خاطب شعبه عن "العقد الإجتماعي إللي بيني وبينكم" مرات، ودشن رئاسته بـ" أقسم بالله العظيم أن أحترم الدستور والقانون". بالأمس قال لشباب يٌفترض انه يؤهلهم لقيادة المستقبل: "الدستور كُتب بنوايا حسنة، والدول لا تبنى بالنوايا الحسنة فقط"، هذا ما زرعه فيهم.

تبنى الدول بحُسن نيات قواها الوطنية، سوء النية.. هو سوسها، فزنا بدستور توافقت عليه نيات تنوعات شعبنا، في لحظة تاريخية توازنت فيها القوى، كرافعة، لو تواصل حُسن النيات، لبناء مصر جديدة فعلا. هكذا جاء رئيسناً محفوفاً بحلم شعب وقواه الحية، وخلال 15 شهرا، عزل نفسه عن "الكتلة النشطة"، قاطرة أي تقدم، واستدعى مماليك نظام لولا الثورة عليه، لبقي الجنرال في الظل.

تراجعت الرئاسة تكتكياً، مستبعدة لهجة الإدانة لحسن نوايا الشعب من التغطية التي وزعتها. لكن اللهجة، مع الإصرار على تدجين الفضاء السياسي والبرلمان، كاشفة. شرح صابر عمار، عضو اللجنة العليا للإصلاح التشريعى، لـ"اليوم السابع"، الإستتيراتيجة القائمة، قائلاً: تعبير "الدستور كتب بنوايا حسنة" مُهذب، يشير إلى الحاجة لتعديل الدستور، لصياغة توازن بين المؤسسات، خاصة البرلمان، الذي إن لم يُحسن اختيار نوابه، سيعيق مسيرة الرئيس ونظام الحكم، صلاحيات البرلمان يجب أن تُعرض فى أول انعقاد له لتعديلها". إذا، هناك تعديلات دستورية قادمة، تستعيد منظومة السادات.

***

القضية ليست الخلفية العسكرية، كما يروج البعض، فمنها أتى عبدالناصر، برؤيته الوطنية الشاملة لدولة مدنية. عينه على التاريخ بوعي، فأجاد فرز الرجال، لا تهمه خلفياتهم. هكذا تنوع تشكيل حكوماته بين الوفديين واليساريين والتكنوقراط.. والإخوان، يعملون وفق سياسة مُنحازة لمبادئ مُعلنة، وعليها تسير أجهزة الدولة.

لم يحظ بما ناله السيسي مُسبقاً، بنى ناصر شعبيته بإستشهاد تدريجي، توازى مع مشاريع وخطط وسياسيات، نُفذت فعلا. لم يأت محمولا على أعناق 35 مليوناً، ولم يفز بدعم إقليمي سياسي وإقتصادي وفر له عشرات المليارات من الدولارات، وحياد صهيوني غربي، كما السيسي. ولم تكن لديه مؤسسات تؤازره، "عملها على إيده"، ليشلها السادات، ويخربها مبارك، وتتعارك على "بقرة حاحا" في عهد السيسي، فهي ببساطة لا تهاب الرئاسة.

وهكذا تجرأ، من رفضت دائما توصيفهم بـ"الفلول"، المرعوبين من حساب الشعب، على إحياء منظومة فسادهم، وفَجَرُوا بدفعهم "حمدي وهيبة"، عراب التوريث داخل المؤسسة، مع رفاقه الأربعة، إلى الفضاء العام، بعد أن دهسته 25 يناير. بينما يُعامل دُعاة تنفيذ مطالب الثورة بـ"نفسية العدو"، من يختلف معي، ولو على الأسلوب، عدوي. تكشفت الأقنعة، يبدو السيسي أقرب للسادات، لكن بدون مؤسساته وسيطرته على أجهزته، بـ"هلاهيل" مبارك.

منحت 25 يناير و30 يونيو عبدالفتاح السيسي فرصة تاريخية لم ينلها حاكم مصري، فركلها، وفضل الإنتحار.. تاريخياً.

- See more at: http://albedaiah.com/articles/2015/09/14/96752#sthash.gz2acVN9.DlLDt5bV.dpuf

ليست هناك تعليقات: