الأحد، 22 مارس 2015

الثورة الدينية والثورة الثقافية

ونحن نتحدث عن الثقافة الآن، وهو حديث فى وقته، نحتاج لأن نتحلى بأعلى قدر نستطيعه من الجدية والصراحة، والشعور بالمسئولية،
ولهذا نبدأ بأن نتفق على ما نعنيه بالثقافة، لأن الثقافة كلمة مركبة ليست بسيطة، ومعناها ليس واحدا، وليس واضحا بالنسبة للجميع.الثقافة هى كل ما عرفه الإنسان وحصله واستفاده واكتشفه واختبره وابتكره وأبدعه طوال تاريخه، وهو يفكر ويعمل ويحلم ويسهم مع غيره فى تأمين الحياة وتنظيمها وتزويدها بما يلبى الحاجة، ويوفر المتعة ويحقق التقدم.الثقافة هى الإنتاج، والإبداع، والدفاع عن النفس، وهى التربية والتنمية، وهى التعلم والتذوق والتقدم والترقى، وكما ارتبطت الثقافة فى المجتمعات المستقرة بالزراعة وأخذت منها اسمها ـ كلمة ـ culture الفرنسية تدل على الحرث والزرع، وعلى الثقافة والتربية ـ ارتبطت فى المجتمعات البدوية بالقتال والعراك والسيف والرمح، فالثقافة فى اللغة العربية تعنى فى الأصل تقويم الرمح وصقل السيف، ومن هذا الأصل اكتسبت الكلمة معنى الحذق والفطنة والعلم والمعرفة، والسؤال الآن: أى معنى من هذه المعانى نقصده، ونحن نتحدث عن الثقافة؟ والجواب: نحن نقصد هذه المعانى كلها، فالثقافة بالنسبة لنا الآن هى حياتنا كلها، وإن كانت هذه الحقيقة غائبة عن الكثيرين، يجهلها البعض ويتجاهلها آخرون.
الثقافة هى حياتنا كلها، لأن حياتنا الآن فى السياسة، وفى الاقتصاد، وفى الاجتماع، فى البيت والشارع، وفى العمل والعبادة، حياتنا مع أنفسنا وحياتنا مع الآخرين، داخل وطننا، وفى العالم كله تحتاج لثقافة نعرف بها ما نريده فى هذه المجالات، ونحقق بها ما نريد، وكما أننا نحتاج لهذه الثقافة التى نحيا بها ونتحرر، ونتقدم نحتاج بالدرجة ذاتها للتخلص من ثقافة التخلف والعبودية والقهر الموروثة من عصور الظلام والخرافة والطغيان.

ولقد ثرنا على ديكتاتورية يوليو العسكرية واسقطناها فى الخامس والعشرين من يناير قبل أربع سنوات، لكن الديمقراطية لم تتأصل عندنا إلى اليوم، ولم تستكمل، ولم تتحول إلى ثقافة وطنية أو رأى عام. فهمنا لتاريخنا قاصر نعتمد فيه على السماع، ودستورنا مختلط متناقض، وأحزابنا السياسية هشة وبرامجها خطب وشعارات. ولقد اسقطنا الطاغية، لكننا لم نسقط الطغيان بعد!.

وكما ثرنا على ديكتاتورية يوليو ثرنا على ديكتاتورية الاخوان والسلفيين القادمين إلينا من كهوف الماضى وأسقطنا دولتهم الدينية المتخلفة فى الثلاثين من يونيو الأسبق ودافعنا عن دولتنا الوطنية، ولانزال ندافع عنها، ونتحمل فى سبيلها التضحية بدماء أبنائنا، لكننا لانزال حتى اليوم نخلط بين الدين والدولة فى الفكر والممارسة، وفى القانون والدستور الذى أصدرناه بعد الثورتين، وحولنا فيه الأزهر من معهد لعلوم الدين واللغة إلى هيئة مستقلة لا يحق للدولة أن تتدخل فى شئونها أو تعزل رئيسها، وهو شيخ الأزهر الذى كان يختاره رئيس الجمهورية من قبل، فأصبحت تختاره هيئة كبار العلماء.

بل إن الأزهر هو الذى أصبح من حقه الآن أن يتدخل فى شئون الدولة، وذلك بعد أن صار فى المادة السابعة فى الدستور «المرجع الأساسى» فى الشريعة التى تنص المادة الثانية على أنها «المصدر الرئيسى للتشريع».. هكذا أصبح الأزهر سلطة تشريعية أو شريكا للبرلمان فى سن القوانين.

ونحن نعرف الموقف المتشدد الذى يتخذه الأزهر من حرية التفكير والتعبير، ونعرف أن المستشار طارق البشرى الذى يدعونا فى هذه الأيام لمصالحة الإخوان الذين اختاروه بعد الثورة لتعديل الدستور ـ نعرف أن هذا السيد ساند الأزهر فى موقفه السلبى من حرية التفكير والتعبير بفتوى قانونية أعطت الأزهر الحق فى الترخيص أو رفض الترخيص للأعمال الفنية التى تتعرض للموضوعات الإسلامية، أو تشير لها من قريب أو بعيد، وبناء على هذه الفتوى أصبح رأى الأزهر ملزما لوزارة الثقافة.

وقد رأينا أخيرا أن دفاع جابر عصفور عن حرية الإبداع وما دار بينه، وبين بعض الأزهريين حول هذه المسألة، أفقده مكانه فى وزارة الثقافة، ألا يحق لنا، وقد رأينا ما رأيناه أن نقول إن الازهر أصبح الآن سلطة دينية، ولم يعد مجرد معهد علمى؟! وهل هناك من يعتقد أن المثقفين المصريين سوف يتخلون عن أداء واجبهم المقدس فى الذود عن ثقافتهم والدفاع عن حرية التفكير والتعبير والابداع؟!

ومن الطبيعى أن يتحول هذا الخلط الدائم بين الدين والدولة، وبين الحق فى إبداء الرأى والحق فى مصادرة الآراء الأخرى إلى واقع مخيف أشبه ما يكون بالثورة المضادة لثورة الثلاثين من يونيو، فقد تحولت الجماعات السلفية التى ورثت جماعة الإخوان الإرهابية، وحلت محلها إلى أحزاب سياسية يهلل بعض قادتها لداعش، ويعتبرون جرائمها البربرية جهادا فى سبيل الله، ويدافعون عن الإرهابيين الذين اغتالوا الفنانين والكتاب الفرنسيين فى «شارلى إيبدو» ويجهرون بأن هذه الجريمة التى لطخت وجه الإسلام فى فرنسا، وفى العالم ترضى الله ورسوله!.

والسلفيون الذين أصبح من حقهم أن يرشحوا أنفسهم فى الانتخابات، ويكونوا نوابا عنا فى البرلمان أصبح من حقهم أن يعتلوا منابر المساجد ويحولوها إلى منابر للعنف والتخلف، يطالبون من فوقها بإحياء الخلافة، وإسقاط الدولة الوطنية ومقاطعة المسيحيين المصريين وحرمانهم من ممارسة حقوقهم. وقد رأيناهم أخيرا فى المنيا كأنما استقلوا بها وانشأوا فيها إمارة سلفية يمارسون فيها لعبتهم المفضلة مع المسيحيين، فيمنعونهم من بناء كنيسة لهم، لأن المسيحيين بالنسبة للسلفيين ليسوا مواطنين، وإنما هم ذميون، وإذن فليس من حقهم أن يحدثوا كنائس، أو يجددوا ما تهدم منها، أو يضربوا نواقيسهم، أو يظهروا الصليب عليها!

ما الذى يسمح للسلفيين، ولمن هم على شاكلتهم بممارسة هذه العربدة المدمرة التى لا تختلف عما يمارسه أمثالهم فى سيناء؟ وما الذى يمكنهم من خداع المواطنين، والضغط على السلطة وتخويفها وابتزازها وإرغامها على مهادنتهم وإطلاق العنان لهم؟

الذى يسمح بذلك هو الثقافة السائدة التى هى مزيج من أوهام الماضى وأمراض الحاضر وازماته الخانقة، ونحن لن نتخلص من هذه الثقافة المسمومة القاتلة إلا بالثورة الدينية التى دعانا الرئيس السيسى للقيام بها.

الثورة الدينية ثورة ثقافية شاملة نغير بها حياتنا كلها ونبنيها من جديد. إنها طريقنا إلى الدولة الوطنية التى هى طريقنا إلى التقدم والرخاء والديمقراطية. ولن تقوم للدولة الوطنية قائمة إلا بالفصل بينها وبين الدين، فالدين لله، والوطن للجميع.

ليست هناك تعليقات: