الجمعة، 10 مايو 2013

زمن عائشة راتب وزمن أم أيمن



مضى أسبوع على رحيل الدكتورة عائشة راتب التي رحلت عن عالمنا يوم السبت الماضي 4 مايو.
ربما لم تعد تحتمل سنوات عمرها الثرية القدرة على العيش في زمن "أم أيمن" وكيف لعائشة راتب أن تحتمل أم أيمن التي طعنت الشهداء وهي على مقعدها في مجلس الشعب، وكيف تحتمل التآمر على دستور مصر الذي وقف نساء الجمعية التأسيسية فيه من جماعة المحفل الإخواني ورجالها أيضا ضد تجريم الإتجار بالبشر، خاصة القاصرات والإتجار بهن، وربما تمنت الخروج من زمن "نكاح الصغيرات" والتحريض على قتل المسيحيين وتحريم تهنئتهم بأعيادهم وتكفير من يحتفل بشم النسيم.
قد تكون رحلت بغصة تركتها في قلبها واحدة من نجمات زمن المسخ ادعت أن اتفاقية مناهضة العنف ضد المرأة تبيح المثلية الجنسية وزنى المحارم، وأنها أتت لتقوض الإسلام! هل رحلت بحزنها على وطن أضاءت فيه بعلمها وصلابتها شعلة نور ولم تحتمل جهاد الجهلة لإطفائها؟
لملمت سنوات عمرها، حملتها على ظهرها ورحلت في هدوء بلا ضجيج.
ولدت الدكتورة عائشة راتب في فبراير عام 1928، تخرجت في كلية الحقوق عام 1949 وكانت الأولى على دفعتها وكانت أولى معاركها حيث تقدمت للتعيين في مجلس الدولة أسوة بزملائها من الذكور، إلا أن طلبها رفض فقامت برفع دعوى قضائية ضد قرار رفض تعيينها في القضاء وصدر الحكم برفض دعواها في 1951 وجاء في حيثياته: (إن قصر الوظائف كوظائف مجلس الدولة أو النيابة على الرجال دون النساء لا يعدو أن يكون وزنا لمناسبات التعيين في هذه الوظائف تراعي فيه الوزارة شتى الاعتبارات من أحوال الوظيفة وملابساتها وظروف البيئة والعرف والتقاليد دون أن يكون في ذلك حط من قيمة المرأة أو نيل من كرامتها ولا نقص من مستواها الأدبي والثقافي ولا غمط لنبوغها ولا إجحاف بها).
جاء هذا الحكم بهذه اللغة الراقية منذ 62 عاما لم يقل أحد فيه إن المرأة لا تصلح لعمل القاضية ولم تُحاصر المحكمة من بلطجية المتطرفين ولم يتم التأمر فيه على دستور مصر لإقصاء قاضية من على المنصة العالية كان ذلك في زمن طه حسين ومحمد حسين هيكل ولطفي السيد ولطيفة الزيات ولم يكن زمن أبو إسماعيل وأم أيمن وبرهامي والشحات وجمال صابر.
لم تستسلم الفتاة التي كانت وقتها، وسافرت لاستكمال دراستها العليا في باريس، وبالمناسبة سافرت دون محرم فعقلها يقود مثيلاتها، وحصلت على دبلوم القانون الخاص، ثم دبلوم القانون العام، وعادت إلى مصر لتحصل من جامعة القاهرة على دكتوراة في القانون الدولي عام 1955، وتم تعيينها كاول معيدة بكلية الحقوق وهي أيضا أول أستاذة للقانون الدولي بالجامعة، وكانت ابنة عهد الزعيم الراحل جمال عبد الناصر، أول سفيرة في عصر السادات، في ذلك الزمن الذي كنا فيه أطفالا ونصحو على أغنية "يا بنت بلدي زعيمنا قال قومي وجاهدي ويا الرجال".
وتم تعيينها وزيرة للشئون الاجتماعية عام 1971، وفي عام 1974 عارضت قانون الانفتاح الاقتصادي، وهو القانون الذي ندفع حتى الآن ثمن آثاره الكارثية التي وقعت على الطبقات الفقيرة وعلى الصناعة والزراعة في مصر.
تقدمت الدكتورة عائشة راتب باستقالتها من الوزارة في أعقاب انتفاضة 18 و19 يناير عام 1977 الذي أطلق عليها السادات "انتفاضة الحرامية" وقد انحازت باستقالتها لانتفاضة الشعب المصري ضد قرار السادات برفع الأسعار قرشا واحدا في بعض السلع. وهي التي أُطلق عليها لقب وزيرة الفقراء وقد عاشت قبل رحيلها جنون الأسعار وتجويع المصريين في ظل سماسرة حكم الإخوان.
في أواخر شهر يونيو عام 2010 وفي حوار أجرته معها الزميلة رانيا بدوي في المصري اليوم أرسلت رسالة إلى حسني مبارك قالت فيها: "شرم الشيخ يا سيادة الرئيس ليست عاصمة مصر، وبقاؤك هناك لفترات طويلة يجعل بينك وبين شعبك حاجزا كبيرا إضافة لتكبيد الدولة نفقات كثيرة الشعب أولى بها فكل وزير يريد أن يقابل الرئيس يأخذ طيارة رايح وطيارة جاي وكله من مال الشعب: مكانك في القاهرة سيجعلك تشعر بالأزمة الطاحنة التي يعيشها شعبك".
رحلت وهي تعرف أن الساكن في قصر الرئاسة الآن يبتسم ملء شدقيه ويؤكد أن الشعب سعيد بحكمه رغم أنه يعرف أن قطاعا من الشعب يأكل من صناديق القمامة وأن قطاعا آخر يعيش بمرضه وفقره في العراء، أليس كذلك يا أول رئيس مدني منتخب كما تحب أن يسبق اسمك ذلك التعريف الذي تعرف أنه مشكوك فيه.
ورحلت عائشة راتب تاركة لنا مسيرة حياة عظيمة وألمًا من أجل وطن تمنت وتمنينا وسعت وسعينا لأن نراه عظيما بينما يجلس على مقاليد حكمه عصابة متطرفة أصولية تسعى لسحقه وسحق شعبه وإعادته لعصور الظلام لكن وعدا يا استاذتنا لن نترك مصر العظيمة في يد الطغاة المستعمرين الجدد سنعود إليها وستعود إلينا من غربتها وتغريبتها القصيرة وأبدا لن تنطفئ شعلة عائشة راتب. 

ليست هناك تعليقات: