الاثنين، 15 أبريل 2013

المشير والرئيس .. قصة الصراع على السلطة فى مصر وشروط الجيش للتصالح مع مرسى








نشرت الصباح

بقلم : وائل لطفى، ومشاركة : مها سالم

معلومات لدى الجيش عن تعمد مسئول فى الرئاسة تسريب معلومات مسيئة للقوات المسلحة للصحافة الأجنبية
اتصال هاتفى من السيسى لمرسى: «الجيش يتهمنى بالتهاون فى حماية حقه.. ولن أستطيع السيطرة على غضب رجالى إذا حدثت إساءة أخرى»
مرسى طلب أن يقابله السيسى فى الاتحادية فرفض، وأخبره بأن اللقاء لابد أن يشمل كل أعضاء المجلس الأعلى للقوات المسلحة
الرئيس عرض استضافة اجتماع المجلس الأعلى فى قصر القبة فطلبوا أن يذهب لهم هو فى وزارة الدفاع
مصدر عسكرى: التقرير المسىء للجيش كان فى حوزة الرئاسة والنائب العام.. وجماعة الإخوان تقود مخطط تشويه الجيش
كل رؤساء مصر دخلوا فى صراع مع وزراء دفاعهم، لكن النتيجة هذه المرة ستكون مختلفة
مرسى هو أول رئيس مدنى ينتمى لجماعة دينية يدخل فى صراع مع القائد العام للقوات المسلحة
عبدالناصر أحبط محاولة عامر للانقلاب عليه.. والسادات قضى على طموحات الشاذلى والجمسى.. ومبارك «قتل» أبوغزالة مرتين
السيسى يمثل عودة لطراز الضباط الموهوبين فى السياسة وهو ما افتقده مبارك وطنطاوى


كادت المعلومات التى نشرتها «الجارديان» فى نهاية الأسبوع الماضى أن تكون القشة التى قصمت ظهر البعير.. أو ظهر الرئيس.. وقد ولد ما نشرته «الجارديان» لدى قادة الجيش حالة من الغضب استدعت «شد الأجزاء»، وهو تعبير عسكرى يشير إلى الخطوة التى تسبق إطلاق النار.

ولم يكن ما نشرته «الجارديان» فى المرة الأولى صباح الخميس الماضى سوى أجزاء من تقرير لجنة تقصى الحقائق، وهى لجنة شكلها الرئيس مرسى لتتولى التحقيق فى وقائع قتل واختفاء المتظاهرين، وقد انتهت اللجنة التى ضمت 16 عضوًا.. مختلفى الوظائف والاتجاهات من إعداد تقريرها الذى بلغ عدد صفحاته 1000 صفحة منذ ما يزيد على أربعة أشهر، وسلمته للرئيس مرسى الذى أمر بإرسال نسخة منه للنائب العام.. ومن وقتها لم تجر فى نهر اللجنة مياه جديدة.. فيما بدا وكأنه رغبة فى طرح أوراق التقرير على مائدة اللعب فى الوقت المناسب، كان ما نشرته «الجارديان» عبارة عن اتهامات للجيش المصرى بالمسئولية عن خطف وتعذيب مواطنين أثناء الأيام الأولى للثورة، وبحسب مصدر عسكرى فإن ما جاء فى تقرير اللجنة والذى نشرت «الجارديان» أجزاء منه ليس سوى أقوال مرسلة.

(1)
على أن ما نشرته «الجارديان» لم يكن سبب الغضب فى صفوف الجيش المصرى.. كان سبب الغضب معلومات مؤكدة لدى رأس المؤسسة العسكرية بأن الذى سرب تقرير اللجنة لمراسلى «الجارديان» فى القاهرة هو واحد من الطاقم المساعد للرئيس مرسى.
وبتحليل سريع لما نشرته «الجارديان» وللتوصيات التى نُسبت للجنة تقصى الحقائق وأوصت بمحاكمة والتحقيق مع عدد من المسئولين العسكريين.. ارتفع مؤشر الغضب.. وصدر أول تصريح من المؤسسة العسكرية يعلن رفض قادة الجيش لما نشرته «الجارديان» ويلمح إلى مسئولية الرئاسة عن تسريب التقرير.

وبحسب مصدر فى القصر الجمهورى فقد حمل المتحدث الرسمى باسم الرئاسة التقرير، الذى يفيد انزعاج القوات المسلحة، للرئيس فى ملف يحمل اسم «هام وعاجل».. أثناء أحد اجتماعاته بعد ظهر الخميس.. حيث قرأ مرسى التقرير وأجرى عدة اتصالات تليفونية ليتأكد مما إذا كانت التسريبات التى تسىء للقوات المسلحة قد خرجت من مكتبه أم لا.

وبحسب مصدر وثيق الصلة بما جرى فقد تلقى مرسى اتصالاً من وزير الدفاع أخبره فيه بوجود حالة من الغليان فى الوحدات العسكرية.. وقال الوزير إن رجاله يتهمونه بالتهاون فى الرد على الإساءات المتتالية للقوات المسلحة وإنه لن يستطيع الصمت أكثر من ذلك.. وكان من بين ما قاله إن الثورة نجحت لأن الجيش حمى الثوار وأمن وجودهم.. وبالتالى فمن المستحيل أن يتهم بأنه عذب الثوار.. أو كان وراء اختفاء بعضهم.

وكان من بين ما قاله وزير الدفاع إن البلاد الآن فى حالة استقرار.. رغم المصاعب والمتاعب لأن الجيش لم يقرر النزول مرة أخرى للشارع.

وفيما بدا وكأنه مجرد نقل لما يردده أفراد القوات المسلحة، خيَّر وزير الدفاع الرئيس بين استمرار ولاء الجيش لرئيس الجمهورية إذا أوقفت حملات التشويه الموجهة ضده وبين ثورة غضب لا يمكن لأحد أن يعرف حدودها أو توابعها.

وفيما بدا أنه محاولة للتفهم والاستيعاب دعا الرئيس وزير الدفاع لمقابلته فى قصر الاتحادية للنقاش حول ما حدث.. لكن الفريق السيسى أخبره بأن الإساءة لم تمسه وحده.. وإنما مست الجيش المصرى كله، وفاجأه بأن المجلس العسكرى قرر أن يجتمع لبحث الإساءات المتكررة التى باتت القوات المسلحة تتعرض لها مؤخرًا.
وعلى ما يبدو فقد التقط الرئيس مرسى الرسالة، فالمرة الوحيدة التى اجتمع فيها المجلس الأعلى للقوات المسلحة دون حضور رئيسه كانت مقدمة لخلع رئيس الجمهورية وقتها.. الذى أعلن بعد ساعات من اجتماع المجلس بدونه تخليه عن السلطة.. وقرر الرئيس أن يحضر اجتماع المجلس الأعلى للقوات المسلحة وأبلغ مسئولو الرئاسة القنوات والصحف بالاجتماع.

ولم يكن هذا كل شىء.. حيث طلب الرئيس مرسى من وزير الدفاع أن يكون اجتماعه مع أعضاء المجلس العسكرى فى مقر «الاتحادية»، أو فى «قصر القبة».. لكن وزير الدفاع أجابه بشكل حاسم: «بل سيكون الاجتماع فى مقر وزارة الدفاع».

وأبلغت الرئاسة التليفزيون المصرى ليصور لقطات من اللقاء.. وبحسب مصادر مقربة فإن القادة لم يتحرجوا فى التعبير عن كل ما تضيق به صدورهم، سواء من الإساءات المتكررة للقوات المسلحة من أشخاص محسوبين على تيارات وجماعات بعينها.. أو من تحركات واتجاهات يرونها تمس أسس وثوابت الأمن القومى المصرى، وعلى رأسها المعلومات التى يتم تداولها عن مشروعات لتنمية قناة السويس، ورغم أن الاجتماع لم يتطرق للتفاصيل إلا أن الجميع كانوا على علم بالشروط التى وضعتها القوات المسلحة وأبلغها الفريق السيسى للرئيس، حيث ثار الحديث عن مشروع قطرى لتنمية قناة السويس، حيث اشترطت القوات المسلحة أن يبتعد أى مشروع عن المجرى الملاحى للقناة بمسافة لا تقل عن خمسة كيلو مترات، وألا تزيد نسبة مشاركة أى شريك أجنبى فى المشروعات المزمع تأسيسها على 40٪ فى حين تكون حصة الشريك المصرى 60٪.

(2)
والحقيقة أن الرئيس مرسى حاول استرضاء قادة القوات المسلحة لأقصى درجة، وقال إنه سيرد بنفسه على الشائعات التى تتعرض للقوات المسلحة.. وكأنه يقول إنه غير راض عن الإساءات التى تطال الجيش المصرى، رغم أن كلها تصدر عن أشخاص محسوبون على جماعة «الإخوان المسلمون» التى لا يزال الرئيس مرسى عضوا فيها.. وعلى «فيس بوك» بث الحساب الخاص بالمتحدث الرسمى باسم القوات المسلحة كلمة للفريق السيسى بدت تلقائية وصادقة، كان أهم ما فيها أنه أكد أن القوات المسلحة تتأثر جدا بأى إساءة توجه لها، وهو ما يعنى أن أحدا لن يبتلع إساءة جديدة.

وبحسب مصادر مقربة من قيادة القوات المسلحة.. فإن المعلومات المتوفرة تؤكد أن الإساءة للقوات المسلحة جزء من خطة ممنهجة لدى جماعة «الإخوان المسلمون».. وأن الهدف هو كسر تقليد استقر فى الحياة المصرية منذ ما قبل ثورة يوليو يقضى بعدم الإساءة للقوات المسلحة.. وعدم طرح القضايا الخاصة بها فى المجال العام.
وإلى جانب الرغبة فى هز صورة القوات المسلحة المصرية والتى تطرح دائمًا كبديل قوى ومنطقى لهيمنة جماعة الإخوان ولفشلها فى إدارة شئون الدولة.. إلى جانب هذا.. سنجد أن ثمة أسباب عميقة وتاريخية للعداء بين الجيش الذى وضع نواته الأولى محمد على باشا، مؤسس الدولة الحديثة فى مصر، وبين التيارات الإسلامية التى تحمل بشكل أو بآخر جينات الفكرة الوهابية التى دك الجيش المصرى دولتها الأولى والثانية فى نجد.. وعلق جثث بعض قادتها على أبواب الدرعية فى 1818.. قبل أن يؤسس الملك عبدالعزيز آل سعود الدولة الوهابية الثالثة 1932.

(3)
ورغم أن جماعة الإخوان فارقت أحضان الوهابية فى العقد الأخير، إلا أن ما فى القلب يبقى فى القلب.. خاصة أن هذا الجيش المصرى نفسه هو الذى هدد عرش الخليفة العثمانى السلطان محمود.. وهزم جيشه فى قوينة 1932.. وهو واحد من سلاله تعتبرها جماعة الإخوان آخر سلالة الخلفاء المسلمين.. بل إن جماعة الإخوان نفسها قامت كرد فعل مباشر على سقوط الخلافة العثمانية 1924.. وإلى جانب الأسباب التاريخية والدائمة التى تدفع جماعة الإخوان لمناصبة الجيش العداء.. ومحاولة الإساءة المستمرة له بشكل أو بآخر.. ثمة سبب إضافى يتعلق بقلق إخوانى عميق من شخص القائد العام للقوات المسلحة، وهو- كما يبدو- ضابط موهوب فى السياسة.. وهو بهذه الموهبة ينتمى لطراز ضباط مثل جمال عبدالناصر وأنور السادات.. وهم ضباط جمعوا فى تكوينهم بين السياسى والعكسرى وامتلك كل منهم كاريزما خاصة.. قادته لأن يتحول من واحد من عشرات شاركوا فى الثورة إلى رئيس جمهورية.. وقادته لأن يتحول فى محكمة التاريخ من رئيس إلى زعيم.

والحقيقة أن السيسى يمثل عودة لهذا الطراز من الضباط، الذى كان مبارك انقطاعا له، حيث كان عدم معرفته بالسياسة سببا فى صدمة المصريين فى سنوات حكمه الأولى وتندرهم على بساطته فى النصف الأول من الثمانينيات، وباستثناء المشير «أبو غزالة» ومرورا بالمشير محمد حسين طنطاوى الذى استمر عشرين عاما فى منصبه لم تشهد مصر ضباطا موهوبين سياسيا، ولعل أبرز الأمثلة على ذلك كان المشير طنطاوى الذى كانت إدارته للمرحلة الانتقالية مأساة سياسية.. وإن حافظ الجيش خلالها على ثوابت الأمن القومى لمصر.

(4)
والحقيقة أن الصراع بين الرئيس والمشير هو قصة السلطة فى مصر خلال الستين عاما الماضية.. ولا يوجد رئيس لم يدخل فى صراع مع (مشيره).. أو مع وزير دفاعه منذ 1952 وحتى 2013.. ومنذ جمال عبد الناصر حسين وحتى محمد مرسى العياط.. صارع الرئيس ناصر مشيره عامر وانتهى الصراع نهاية مأسوية.. وصارع السادات فريقه سعد الدين الشاذلى واختلف مع (مشيره) الجمسى.. وقُتل مشيره الآخر أحمد بدوى و12 من قواده فى حادث طائرة غامض يثير من الأسئلة أكثر مما يثير من الأجوبة.. على أن القدر لم يمهل السادات وقتًا ليصطدم بوزير دفاعه الأخير محمد عبدالحليم أبوغزالة، والذى كان من نصيبه أن يصطدم مع رئيس آخر هو حسنى مبارك، الذى أدار معركته مع أبوغزالة بمهارة قناص محترف.. وقتله مرتين لا مرة واحدة.. الأولى فى أبريل 1989 حينما عزله من منصبه كوزير للدفاع.. والثانية فى منتصف 1993 حين فجرت أجهزته الرقابية علاقة المشير فى قضية «لوسى آرتين» لإخراج الرجل من منصبه كمساعد لرئيس الجمهورية ويعيش ما تبقى له من سنوات وهو يشعر بالمرارة والأسى.

والحقيقة أن كل رئيس دخل فى صراع مع (مشيره) انتصر ظاهريًا.. والحقيقة أيضًا أن كل رؤساء مصر فى كفة وعهد مرسى فى كفة أخرى.. حيث بدت العلاقة بين ناصر والسادات ومبارك ووزراء دفاعهم معقدة.. حيث كان كل هؤلاء الرؤساء ومنذ ثورة يوليو ينتمون للمؤسسة العسكرية.. ويكتسبون شرعيتهم الفعلية هنا.. ولأن الرئيس ـ أى رئيس ـ يجب أن يخلع الزى العسكرى ويغادر معسكرات الجيش ليبقى فى أروقة السياسة فإنه كان يترك القوات المسلحة ـ مصدر شرعيته ـ فى رعاية شخص يديرها نيابة عنه.

وعادة ما كان العسكرى الصريح يرى أنه أحق بالسلطة من العسكرى المتوارى خلف الزى المدنى.. فى كل الحالات السابقة كان الصراع بين ضابط يشغل منصب رئيس الجمهورية وبين ضابط آخر يشغل منصب وزير الدفاع.

فى هذه المرة فإن (الصراع) يدور بين أستاذ جامعى ينتمى لجماعة الإخوان وبين القائد العام للقوات المسلحة. إن قصة المشير والرئيس فى مصر تبدو أكثر درامية مما يتخيل أحد.. وليس صحيحًا أن النصر فيها يكون دائمًا حليف الرئيس، وباستثناء الرئيس عبدالناصر الذى أحبط محاولة للانقلاب عليه قادها صديقه الأقرب وشريكه فى التخطيط للثورة و«مشيره» عبدالحكيم عامر، وهى المحاولة التى انتهت بالتحفظ على عامر وانتحاره أو «نحره» فى سبتمبر 1967، باستثناء ناصر وعامر لم ينتصر رئيس على «مشيره» وربما انتصر على مشير ليظهر له مشير آخر، وكلمة المشير هنا تستخدم تجاوزا لوصف وزير الدفاع، علمًا بأن بعض الوزراء حمل هذه الرتبة وغيرهم لم يحملها.

لقد أزاح السادات الفريق سعد الدين الشاذلى رئيس أركانه والقائد الفعلى لحرب أكتوبر.. وتوجس خيفة من المشير الجمسى الذى مات وهو يدعو على السادات الذى «ظلمه».. لكن السادات أيضًا مات وسط جيشه.. وظلت أسرته تعتقد طوال الوقت أن الجيش لم يتخذ الإجراءات اللازمة لحماية قائده الأعلى، وأن نائبه مبارك كان على علم بالترتيب لحادث اغتياله.. نفس الأمر تكرر مع مبارك الذى أزاح مشيره «أبوغزالة».. لكن مشيرًا هو محمد حسين طنطاوى آخر أزاحه من منصبه.. حتى وإن ظل مخلصًا له على المستوى الشخصى.. ليس صحيحًا أن الرئيس لابد أن يربح فى صراعه مع (مشيره).. ولعل الأيام المقبلة قد تثبت ذلك.
 

ليست هناك تعليقات: