السبت، 30 مارس 2013

هل الإعلام فاسد أم الإخوان كاذبون؟


مؤشر الشفافية يجيب عن السؤال الصعب: 

هل الإعلام فاسد أم الإخوان كاذبون؟ 

مفاجأة: تقارب مصداقية الصحف والمواقع الموالية والمعارضة للإخوان 

كتب - جمال أبوالفتوح: منذ 32 دقيقة 53 ثانية 
تشهد العلاقة بين الإعلام والسلطة فى مصر تدهوراً خطيراً، تجسد على أرض الواقع فى قيام أنصار النظام بحصار مدينة الإنتاج الإعلامى، إضافة إلى الحملة الشرسة التى يشنها قيادات الإخوان والأحزاب والتيارات الموالية لهم ضد الإعلام والتى تتجدد مع كل أزمة بين القوى الثورية والسلطة المتأسلمة.
وشهدت تداعيات أحداث العنف بمحيط مقر الإخوان بالمقطم دلالات واسعة على ذلك، حيث بدا واضحاً أن السلطة تلقى بثقلها التبريرى على الأزمات التى تواجهها على عاتق الإعلام أولاً، ثم التيارات الليبرالية المنافسة ثانياً، ولم يعد ذكر الإعلام على ألسنة الإخوان وأتباعهم إلا مصحوباً بصفة فاسد، أو مغرض أو مشبوه أو محرض، والشواهد على ذلك كثيرة، وقد سجلت وسائل الإعلام ـ الحكومة بالمناسبة ـ مشهدين يمكن أن يلخصا الحالة السيئة التى وصلت إليها علاقة السلطة والإعلام، نذكرهما على سبيل المثال وليس الحصر، المشهد الأول عندما قام متظاهرو مدينة الإنتاج الإعلامى بالتعدى على شخص يعانى من بتر أحد ذراعيه يدعى على عفيفى والذى كان يهتف: «أنا على عفيفى متحدى الإخوان»، حيث قام أحد الملتحين بصفعه على وجهه، ولكنه أصر رغم ذلك على ترديد هتافه، فقام البعض بضربه مرة أخرى وقام آخرون بمحاولة حمايته قائلين «مش عايزين الإعلام الفاسد يمسك علينا حاجة»، كما قام أحد المتظاهرين بالتعدى على مصور صحفى وطالبه بمسح الصورة وإلا حطم الكاميرا.
أما المشهد الثانى فقد جرت وقائعه أثناء المؤتمر الصحفى للإخوان بالمقطم حول المصادمات، والذى حضره مجموعة من شباب الإخوان الغاضبين دون مبرر لوجودهم ضمن وقائع المؤتمر سوى التعبير عن الغضب الجماعى، وقد هتف شباب الإخوان بالفعل تعبيراً عن غضبهم ضد الصحفيين والإعلاميين الذين دعتهم قيادات الإخوان لتغطية المؤتمر فوقف الصحفيون وهددوا بالانسحاب وقدم بعض قيادات الإخوان الاعتذار لهم مبررين ما حدث بضرورة مراعاة شعور شباب الإخوان بعد عرض مشاهد العنف عليهم.
والحقيقة أن الصحفيين فوجئوا بالاعتذار من جانب مضيفهم، والذى جاء لإثناء الإعلاميين عن الرحيل، وهو ما أثار حيرتهم، حيث يتضارب هذا الموقف مع الاتهامات المستمرة للإعلام بالفساد والتحريض على العنف، فكيف يمكن أن نعتبر الإعلاميين فاسدين ونصر على وجودهم فى الوقت نفسه حتى لو اضطررنا إلى الاعتذار لهم.
ولحسم هذه المسألة لابد من الإجابة عن سؤال مهم: هل الإعلام المصرى فى مجمله فاسد حقاً، أم أن الإخوان يكذبون على الشعب لتبرير أخطائهم وسوء إدارتهم للبلاد بتوجيه الاتهامات إلى الإعلام؟
إضافة إلى ضرورة فهم أى إعلام هو الفاسد، الإعلام الموالى للإخوان أم الموالى لمنافسيهم، أم الإعلام الذى يذكر الحقائق كما هى حتى لو أدانت الجانبين؟
وقد حاول موقع إعلامى على الإنترنت الإجابة عن هذه الأسئلة الصعبة بشكل علنى من خلال الرصد والتحليل الدقيق لكل الأخبار التى تنشر فى كبريات الصحف والمواقع الإخبارية المصرية، وإظهار النتائج أولاً بأول وهى النتائج التى توضح بالتأكيد إثبات التهم على الإعلام أو تبرئته وبالتالى ستكشف إذا كان الإخوان وأتباعهم صادقين بشأن إلصاق تهمة الفساد والتحريض على حرق الوطن أم أنهم كاذبون ومبررون لفشلهم.
ويحمل الموقع المهم اسم MCE Watch أو مؤشر مصداقية الإعلام المصرى، ويعتمد فى تقييمه على مؤشر يرصد عنصر الحيادية والشفافية فى تقييم الأخبار ويمنح درجة لكل خبر يحددها عدد من العناصر، تشمل كيفية الحصول على المعلومة، واحتواء الخبر على معلومات خاطئة، ومدى صحة الخبر أو مدى سلامة الصورة المصاحبة للخبر وهل تم التلاعب فيها والتسلسل الزمنى للخبر، وتعارض الفيديو المصاحب مع نص الخبر إضافة إلى العنوان المخالف للنص، ونشر خبر قديم على أنه جديد، وإخفاء هوية المصدر، واحتواء الخبر على أرقام وبيانات غير صحيحة ومدى الحيادية، وإجابة الخبر عن جميع علامات الاستفهام المرتبطة به.
وكانت فكرة إنشاء المؤشر قد بدأت بواسطة مجموعة من الشباب المتطوعين غير المنتمين إلى أى أحزاب أو تيارات سياسية وذلك محاولة منهم لتسليط الضوء على الانتهاكات المهنية والصحفية سواء بعمد أو غير عمد، وقد أظهر مؤشر الشفافية الإعلامية نتائجه التى رصدت وسائل الإعلام الورقية والإلكترونية خلال شهر مارس، وظهرت مفاجآت مثيرة فى هذه النتائج، حيث تبين أنها تظهر تقارباً غريباً فى معدل الشفافية والذى تراوح بين 50٪ و70٪ لكل الصحف والمواقع، وتقاربت بشدة نسبة الشفافية لدى المواقع والصحف الموالية للإسلام السياسى والنظام الحاكم، مع الصحف المواقع الليبرالية والمناوئة له، بل إن هذا التقارب شمل الصحف والقومية والمستقلة أيضاً وهى نتيجة تؤكد تقارب مصداقية الجميع إلى حد كبير، إضافة إلى أن الغالبية تقترب من رقم 60٪، حيث يتساوى الدستور الأصلى المناهض للإخوان مع بوابة الحرية والعدالة المتحدثة باسمهم، ويمكن اعتبار أنه إذا كان الكل فى هم المصداقية سواء، فلابد من تبرئة أو إدانة الجميع بالفساد والتحريض أو تبرئة الجميع من هذه التهم المثبتة.
تأتى هذه النتائج رغم اختلاف المواقف السياسية وتباينها من مصدر إعلامى لآخر، أى أن الكل فى هم المصداقية والشفافية سواء.
إذن الإعلام المصرى ليس بفاسد رغم تعثره فى مجال الشفافية وإنما المسألة مرتبطة إلى حد كبير بتبرير الأخطاء من هذا الجانب أو ذاك للهروب من الاعتراف بها أو مواجهتها، وإنما هناك إصرار على تحصين هذه الأخطاء من خلال إلقاء التهم جزافاً على الإعلام.
مثال آخر، مشهد صفع الشاب الإخوانى لقناة معارضة على وجهها بقسوة أدت إلى سقوطها مغشية عليها، والذى عرضته وسائل الإعلام أمام مقر الإخوان بالمقطم أثناء قيامها مع زملائها برسم جرافيتى على الأرض.
تعاملت أغلب وسائل الإعلام مع المشهد على أنه غريب على مجتمعنا ولا يمكن تجاهله بينهما اعتبرت وسائل الإعلام المؤيدة للإخوان ما قام به الشاب الضخم عملاً بطولياً، بل إنهم ربطوه باشتراك الشباب فى موقعة الجمل بالتحرير خلال أحداث الثورة واعتبروه نصراً ثانياً له.
لا أحد يختلف على أن ما قام به الشاب ومثبت بالفيديو هو عمل يستحق المساءلة وليس الإشادة، خاصة مع ما يردده قيادات الإخوان بأن شبابهم يتحلى بضبط النفس، ولم يتهم أحد منهم الشاب بارتكاب إثم وإنما ألقوا باللائمة على وسائل الإعلام.
وتسبب هذا الموقف الإخوانى الغريب فى تداعيات خطيرة انتهت بموقعة المقطم ثم حصار مدينة الإنتاج وقد يقع لا قدر الله ما لا يحمد عقباه، رغم أنه كان يمكن احتواء كل ذلك باتخاذ الإجراءات القانونية واللائحية اللازمة ضد الشاب القوى الذى صفع الفتاة، فالاعتراف بالخطأ فضيلة، والأفضل تلافيه، ولكن مع إصرار الإخوان على تحصين الخطأ وتحصين آثاره الجسيمة بارتكاب مزيد من الأخطاء فإن دائرة العنف الجهنمية لن تجد من يوقفها فلا أحد سيتم تحميله مسئولية جرائمه فى غياب تطبيق القانون وسيظل الإعلام فى نظر الإخوان وتابعيهم فاسداً ومحرضاً، رغم أنه لم يصفع أحداً، ويتساءل الصحفيون: هل نتجنب نشر فضائح وتجاوزات المتأسلمين مهما بلغت بشاعتها حتى ننجو من تهمة الفساد، وحتى يرضى عنا مكتب الإرشاد والحكومة والرئاسة، أم أن الواجب المهنى يحتم علينا نقل الصورة، كما حدثت وأن نتحمل تبعات ذلك من اتهامات أو سب وقذف لا يتم محاسبة من أطلقوه؟ ويبقى السؤال: هل الإعلام فاسد حقاً أم أن الإخوان كاذبون؟

ليست هناك تعليقات: