السبت، 5 يناير 2013

جيش مصر هو الأمل والحصن للبلد هل سيستمر كما هو؟


عادل حمودة ينشر: نبوءة مركز أبحاث المخابرات فى أمريكا للعام الجديد 



جيش مصر سيفرض على مرسى أن يستقل عن الإخوان أو يبحث عن رئيس آخر
حسب وصف البنتاجون.. فإن الجيش المصرى يبدو مثل «سور الصين».. لا أحد يعرف ما يجرى خلف ثكناته.. لكن.. هذه الأسطورة تبخرت عندما كشف قادة المجلس الأعلى للقوات المسلحة عن عجز فى إدارة البلاد بعد رحيل مبارك عن السلطة.
على أن الجيش لا يزال هو المؤسسة الوحيدة القوية والقائمة بعد أن سعت السلطة الإخوانية الحاكمة إلى تفكيك القضاء.. والتربص بالإعلام.. وشل الشرطة.. والتشهير بالمخابرات.. وهو ما يفسر هجوم المرشد على الجيش.. دون مبرر.. وكأنه يعلن الحرب عليه.. ليقضى على شدته وتماسكه وصلابته.. لتعبث جماعته بالوطن دون مقاومة.
إن الجيش يتمتع بفضائل النبلاء.. وأخلاق الفرسان.. فقد رفض قادته ( مبارك وعمر سليمان ووزير الدفاع يوسف صبرى أبو طالب) تحديد الغنيمة المالية التى وضعت أمامهم قبل المشاركة فى حرب تحرير الكويت.. وقالوا: «لسنا جيش مرتزقة».
وعندما ارتفعت صيحات الشارع تطالب بالتدخل فى فلسطين لإنقاذ أهلها من مجازر الإسرائيليين وقع رئيس الحكومة وقتها عاطف عبيد فى شر أعماله قائلا: «لو منحونا مائة مليار دولار سنحارب إسرائيل».. فقد انتفض الشعب غاضبا.. صارخا مرة أخرى: «جيش مصر ليس جيش مرتزقة».
وتكرر الغضب بنفس الحدة ليواجه المرشد الغريب عن الحياة العسكرية.. المتخصص فى الشئون البيطرية.
لقد تحرك الجيش من تلقاء نفسه لحماية القصر الرئاسى يوم المظاهرات الكاسحة التى حاصرته يوم 6 ديسمبر الجارى.. وفرض حظر التجول بعد الثالثة عصرا.. وثبت لرئيس الدولة أنه لا يستطيع البقاء فى الحكم دون الحماية العسكرية.. وأن الميليشيات الشرسة التى جاءت تشتبك مع المعارضين المسالمين لا تكفى كى يأمن على حياته وسلطانه.. وهو اعتراف لا يستطيع إنكاره بأنه لا يستطيع السيطرة على المؤسسة العسكرية.. وأن عليه مساومتها وترضيتها والقبول بدورها التاريخى فى التأثير المباشر على مجريات الأمور فى البلاد.. أو بطريقة غير مباشرة.
لم يستطع الرئيس الإخوانى ولا جماعته بكل ما فيها من تحفز وتربص وعنف أن يرفض للجيش طلبا واحدا.. وترك مكانته المتميزة فى الدستور على ما هى عليه.. رافضا كل محاولات النيل منها.
تصور الرجل بتخلصه السريع من القيادات السابقة للمجلس الأعلى للقوات المسلحة أن المؤسسة العريقة دانت له.. لكن.. الأحداث خيبت أحلامه.. وإن لم يفقد الأمل بعد فى السيطرة عليها.. حسب الخطة التى مشت عليها حماس من قبل.. وهى التخلص من القيادات العليا.. وتعيين قيادت وسيطة ليست منها لبعض الوقت.. ثم إزاحتها.. لتأتى بقيادة تدين لها.. ولا تخرج عن طوعها.. وطبقا لهذه الخطة.. فإننا لا نزال فى المرحلة الأولى.. فى انتظار المرحلة الأخيرة.. الحاسمة.. وإن بدت بعيدة المنال حتى الآن.
فحسب تقرير مركز الأبحاث الأمريكى للمخابرات ( ستراتفور ) يوم 16 ديسمبر الجارى فإن طلب مرسى المساعدة من الجيش لإنقاذ شخصه وحكمه من محاصرى القصر الجمهورى يعنى أن سلطته تضاءلت.. وظهر الجيش للناس على أنه وليس غيره من يملك السلطة فى مصر.
لكن.. ذلك لا يعنى أن الصراع قد حسم لصالحه تماما.. فلن تكف القوى الحاكمة المصابة بالقلق منه عن الطعن فيه.. وإثارة الوقيعة بين قياداته.. خاصة أن الإخوان فشلوا فى اختراقه.. وتكوين خلايا مؤثرة فيه.
وحسب تقرير مركز ستراتفور فى يوم 18 ديسمبر الحالى فإنه كى يبقى الجيش على ما هو عليه من قوة وتماسك عليه أن يخلق لنفسه خطة جديدة يدير بها الفترة المضطربة التى تمر بها البلاد وسط قوى سياسية متنافرة ومتناحرة.. ويرى خبراء المركز أن الجيش المصرى يمكن أن يجسد نفس الدور الذى يلعبه الجيش الباكستانى.. الجيش الوحيد الذى حافظ على مكانته المتميزة فى نظام سياسى إسلامى ديمقراطى.
لقد قيل الكثير عن رغبة الإخوان فى تطبيق نموذج حزب «التنمية والعدالة» الحاكم فى تركيا.. ويهدف إلى الحد من دور الجيش فى السلطة السياسية.. ولكن.. جنرالات الجيش المصرى سيتجنبون ذلك المصير.
ويكن الجيش مشاعر التقدير للكتل السياسية المختلفة.. لكنه.. لا يقيمها بنفس القدر الذى يمنحه لجماعة الإخوان.. ويعتبرها شريكه الوحيد حتى الآن.. وإن كان يعتبر العلمانيين والسلفيين بمثابة أذرع يمكن استخدامها لتقييد الجماعة.. وبالتالى منعها من إخضاعه لسيطرتها.
وبعيدا عن التقرير.. وجه الجيش دعوة للحوار مع رموز مختلفة من المجتمع.. لكنه سرعان ما تراجع عنها بدعوى أن الاستجابة لها كانت دون المتوقع.. والحقيقة أن الاستجابة كانت فوق المتوقع.. وهو ما أثار قلق الرئاسة.. خاصة أن شخصيات مثل قيادات جبهة الإنقاذ أعلنت عن حضورها بينما سبق أن رفضت الحوار مع الرئيس.. وهو ما جعله على ما يبدو يضغط لإلغاء الدعوة التى وجهها وزير الدفاع عبدالفتاح السيسى.
وحسب نفس التقرير: فإن الجيش يرى أن باكستان نموذج يمكن الاستفادة منه فى مصر.. الظروف فى البلدين تتشابه.. مصر منقسمة بين إخوان ومناهضين لهم.. وباكستان ظلت لفترة طويلة فى حالة صراع بين الموالين والمعارضين لحزب الشعب.
ويرغب الجنرالات فى مصر فى رؤية الإخوان فى وضع مشابه لوضع حزب الشعب الباكستانى الذى كان فى السابق خصما للجيش ولكنه نجح بعد ذلك فى خلق علاقة طيبة معه.
ورغم أن حزب الشعب الحاكم فى باكستان علمانى على عكس الجماعة الحاكمة فى مصر، إلا أن هذا الاختلاف لا ينال من حقيقة أن القوى الرئيسية الحاكمة مستعدة دائما للعمل مع الجيش بحماس.. ولو بدرجات مختلفة.
لقد عاد الجيش الباكستانى إلى ثكناته بعد سقوط حكم الجنرال محمد ضياء الحق.. ولكن.. رغم تحول النظام إلى الديمقراطية فإن الجيش سعى للسيطرة على حزب الشعب الحاكم بوسائل قانونية ودستورية.. استخدم القضاء وأحزاب المعارضة فى حل البرلمان وإقالة الحكومات ومنع المستمر منها فى السلطة من كسب أرضية صلبة.
نجح الجنرالات المصريون فى إقامة علاقات جيدة مع الإخوان أسرع وأكبر مما نجح فيه نظراؤهم فى باكستان مع حزب الشعب.. وهو ما لم يحدث هناك قبل عام 2008.
فى مصر ينحدر الرئيس من الجماعة السياسية الحاكمة، وفى باكستان كان الرئيس مجرد موظف مدنى.. لذلك على الجيش فى مصر العمل مع مرسى لاحتواء السلطة التشريعية التى يعتبرها الإخوان وسيلتهم لتوطيد سلطتهم.. ومثل الجيش فى باكستان فإن جنرالات مصر سوف يسعون إلى تقليل نفوذ الحزب الحاكم بمساعدة الأحزاب الصغيرة لتكسب مقاعد إضافية فى البرلمان على أمل حرمان الحزب الحاكم من الأغلبية.
لتحقيق هذا الهدف يمكن أن تشهد السنوات القادمة حل البرلمان أكثر من مرة.. وفى خطوة أكثر تطرفا يمكن أن يجبر الجيش فى مصر الرئيس كى يتخلى عن دعمه لحزبه.. كما حدث فى باكستان عام 1996.. أو حتى التخطيط للإطاحة به أو بمن يأتى بعده رئيسا للبلاد.
وليس مستبعدا أن ينأى مرسى بنفسه عن جماعته فى المستقبل.. خصوصا فى ظل الضغوط المتزايدة عليه ليكون بمثابة شخصية وطنية.. لا مجرد مندوب للحزب الحاكم فى أعلى سلطة فى البلاد.. هذه الضغوط تعنى أن مرسى سيجد نفسه على نحو متزايد محصوراً بين الإخوان والجيش والمعارضة السياسية.
يمكن أن يتدخل الجيش المصرى على غرار ما حدث فى باكستان عام 1999 عندما استولى الجنرال برويز مشرف على الرئاسة فى انقلاب كان متوقعا.. وبالنظر إلى المناخ المحلى والإقليمى والدولى فإن هذا لن يتحقق إلا إذا كان الجيش المصرى يواجه وضعا لم تتمكن فيه المؤسسات المدنية من الحكم.. أو أن الاضطربات وصلت إلى مستوى لا تستطيع الحكومة الإخوانية السيطرة عليه.
فى ظل معرفة مصير مشرف والأضرار التى لحقت بالجيش خلال فترة حكمه فإن الجنرالات فى مصر يفضلون تجنب الاستيلاء على السلطة بشكل علنى.. سيحرص المجلس الأعلى للقوات المسلحة على تلافى اضطرار أحد قادته تولى السلطة.. لتكون القيادة جماعية.. وإن وجدوا أنفسهم فى النهاية مجبرين على تعيين رئيس جديد.. كما فعلوا بعد الإطاحة بمبارك.
المشروع الحالى للدستور يؤسس لدور مؤثر للجيش فى السياسة.. والأرجح أن تؤدى نصوصه إلى تدخلات ضد الرئاسة فى المستقبل.
كل هذه التكهنات والتقديرات التى قد تصيب أو تخيب.. فهكذا يتابعون ما يجرى فى مصر.. وهكذا يتوقعون ما سيحدث فيها.. لكن.. لا أعتقد أن أحداً يمكن أن يطلق تحليلا.. ويصيب الهدف من أول مرة.. فنحن فى بلد أصبح من الصعب فيه تحقيق النبوءات.. وانتظار المعجزات

 

ليست هناك تعليقات: