الأربعاء، 30 يناير 2013

مرسى وزيارة ألمانيا



كما ترك رئيس الحكومة البلاد إلى سويسرا قبل ساعات من اندلاع الثورة الثانية للمصريين الجمعة الماضية أصر الرئيس محمد مرسى على إتمام زيارته إلى ألمانيا وخطط أن يزيد بزيارة فرنسا لتمتد بدلا من يومين إلى أربعة أيام، لكنه عاد وألغى الأخيرة وغادر الأربعاء إلى برلين حيث التقى المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل والرئيس الاتحادى يواكيم غاوك، وهى الزيارة التى ألغيت مرتان سابقا ورفض الرئيس إلغاءها ثالثة حتى فى ظل انهيار الوضع الأمنى والسياسى. الحكومة الألمانية أكدت فى أثناء اشتعال الأوضاع أن الرئيس المصرى محمد مرسى ما زال متمسكا بزيارة ألمانيا على الرغم من أعمال العنف التى تشهدها بلاده. لكن فى المقابل بينما أعلنت الرئاسة فى فرنسا إلغاء الرئيس المصرى زيارة مقررة إلى باريس لاشتعال الأزمة السياسية فى مصر، نفى متحدث الرئاسة ياسر علِى إعلان أى ترتيب لزيارة الرئيس لفرنسا. وكان من المقرر أن يصل مرسى إلى باريس عصر الخميس حسب الجدول الذى زودت الرئاسة به الصحفيين، وأن يلتقى فى وقت لاحق الرئيس الفرنسى فرانسوا أولوند على الإفطار يوم الجمعة ثم يصلى فى المسجد الكبير بباريس، لكن الزيارة ألغيت، وبين تأكيد الرئاسة الفرنسية ونفى نظيرتها المصرية فإن الخلاف حول الزيارة قشرة للخلاف الأعمق وعدم رضاء الحكومة الفرنسية عن الموقف المصرى المعارض لعملياتها فى مالى وتوتر العلاقات مع فرنسا بسبب تصريحات الرئاسة التى عمدت لتأييد الجماعات الإسلامية فى مالى. المتحدث باسم الرئيس قال إن الرئيس سيختصر الزيارة إلى ساعات وسيعود من ألمانيا ليتابع الوضع عن كثب. فلماذا أصر مرسى على زيارة برلين؟ ليس هناك سبب واحد بل عدة، أولها أن ألمانيا تقود المجموعة الاقتصادية، بل وتمول بعض دول أوروبا المتعثرة والوصول إلى تفاهم معها حول شكل دعم اقتصادى يمثل دفعة واسعة نحو مزيد من الدعم الأوروبى ينقذ الرئيس من كبوة المشروع التوهمى المسمى بالنهضة. وكما قال مرسى فى حديثه للتليفزيون الألمانى الذى أجرى بالقاهرة تمهيدا للزيارة عندما سأله المحاور ماذا يتوقع من زيارته لبرلين، فأجاب أن ألمانيا لديها الكثير لتقدمه لمصر مثل العلم والتكنولوجيا والاقتصاد المستقر، وواصل مرسى أن على الجانب المقابل فإن مصر لديها الكثير لتقدمه، وهناك أهمية لألمانيا مثل أن توفر موقعًا للاستثمار بحكم موقعها كأهم بوابات إفريقيا. ألمانيا إذن صاحبة رأى سياسى فاعل بالنظر لقوتها الاقتصادية ما يدعم توجه الرئاسة لتوطيد علاقاتها مع الحكومة الألمانية لمساندتها فى المحافل الدولية ودعم الدور المصرى فى المنطقة العربية وإفريقيا. لكن بعض المحللين نظر إلى إلحاح الرئيس على إتمام الزيارة وتحديد أكثر من موعد بعد إلغائها مرتين على أنه وراءه مخططًا للجماعة التى تحكم خلف ستار الرئاسة فى أخونة العلاقات الدولية أو احتلال الجماعة مقعد الدولة فى المحافل الخارجية، حيث تسعى الجماعة لنصب شبكة من المصالح والعلاقات مع الحكومة الألمانية على غرار ما فعلته سابقا مع الإدارة الأمريكية التى بدورها فتحت كل الأبواب للأخوان عندما كانوا فى مقعد المعارضة ليقدموا أنفسهم كبدائل للنظام الحاكم. عملية الأخونة للعلاقات الخارجية يقودها وزير الخارجية الفعلى د. عصام الحداد الذى يدير ويشكل علاقات مصر الخارجية تحت ستار مساعد الرئيس للعلاقات الخارجية، والذى عمل جاهدا على مدى أشهر كمتعهد لتجميل وجه النظام القبيح أمام المجتمع الدولى، وهدفه تقديم الإخوان كجماعة سياسية بديلة للدولة وللتفاهم والتوقيع باسم الدولة سواء بزياراته الغامضة التى تشبه زيارات مدير مخابرات دولة لا كمساعد رئيس، أو ببياناته الإنجليزية التى تكتب بنفس عبارات خطب الرئيس وكلماته، مما يطرح تساؤلا جانبيا إذا ماكان نفس الشخص يكتب الاثنين فهل هو الحداد أم مكتب الإرشاد الإخوانى؟ الإخوان مع ذلك لم ينجحوا فى اختراق العلاقات مع ألمانيا بسبب العلاقة القوية والراسخة بين مبارك ونظامه من حكومات ورجال أعمال بالحكومة الألمانية. وطوال حكم مبارك لم تتعرض علاقات مصر مع ألمانيا لمشكلات إلا فى ما ندر، رغم تحفظ السياسيين الألمان على حكم نظام مبارك لكن حقيقة أن مصر هى الدولة الوحيدة التى وقعت معاهدة سلام مع إسرائيل جعلت مصر محور تطور السياسات الألمانية فى المنطقة، وهى نفس نقطة الضعف التى يسعى مرسى لاستغلالها، «تضخيم عقدة الذنب لدى الألمان لمساندتهم نظام مبارك الديكتاتورى وطرح نظام الإخوان بديلا لغسل الذنب والتبرؤ منه». حكومة ميركل أعلنت عقب تنحى مبارك أن انحيازها إلى جانب قيم الحرية وحقوق الإنسان والديمقراطية وخصوصا حرية الرأى وحرية الصحافة وحرية التظاهر، والحريات الثلاث دهسها نظام الإخوان فى أشهر قليلة من حكمهم فماذا سيقدم مرسى للحكومة الألمانية للتقارب؟ قبل مغادرته ألمانيا اجتمع مرسى بوزير الداخلية ومساعديه وخرجت تصريحات الرئاسة بأنه فوض المحافظين بالقنال فى إلغاء أو تخفيف الحظر الذى لم ينفذ، للإيحاء بأن الرئيس لم يسقط حقوق الإنسان وحريات التظاهر والتعبير، ثم لحقه مهندس ديكور النظام خارجيا عصام الحداد ببيان إنجليزى يفسر أسباب فرض الطوارئ على القناة ويصفه بغير المسبوق لأنه محدد بمدة ويتفق مع المادة الرابعة للعهد الدولى الخاصة بالظروف الاستثنائية. بالنظر إلى رعاية ألمانيا لليهود وحرصها على استمرار الوضع الآمن الذى وفره نظام مبارك فإن أمن إسرائيل وراحتها أول ما سيقدمه الرئيس مرسى، وقد قطع فى ذلك قفزات أبهرت أصدقاء إسرائيل رغم معارضتها لتصريحات مرسى ضد اليهود قبل عامين والتى طالبه أعضاء الكونجرس الأمريكى بالاعتذار عنها بعد أن رفضوا بيان الرئاسة عن اجتزاء تصريحاته عن اليهود القردة والخنازير، ولكن تصريحات أحد مساعدى مرسى أيضا عن إنكار الهولوكست الذى يعد جريمة فى ألمانيا قد يمنح مرسى مادة إضافية للتواصل والتقارب مع ألمانيا غالبا باعتبار مساعده لا يمثل الرئاسة.



ليست هناك تعليقات: