الاثنين، 31 ديسمبر 2012

إبراهيم عيسى يكتب مصر فى سباق المسافات الطويلة




 يوم خمسة وعشرين يناير العصر اندفع أحد المتظاهرين نحوى بكل حماس وقوة وهو يصرخ: «بيقولوا النظام وقع يا أستاذ إبراهيم»! لهذه الدرجة كان الشعب مستعجلًا جدًّا على نجاح الثورة حتى يرتاح ويروّح فى الغالب؟! مبارك أراح الشعب من نضال ضرورى وطويل الأمد وجذرى وشاقّ حين تَنَحَّى بعد أسبوعين فقط، فتخيل المصريون أن كل حاجة ستأتى بسرعة، والثورة السريعة فى العادة هى الثورة الفاشلة. هذه مشكلة مصر التى روّحت من الميدان يوم 12فبراير.. نَفَس المصريين قصير.. لا يمكن أن تفوز مصر أبدًا فى مسابقات الجرى للمسافات الطويلة، مصر بلد نَفَسه قصير، كلنا على بعضنا، شعب على حكومة، معارضة على سلطة.. لهذا كانوا يطلقون على ثوراتنا هبّات، فهى فعلا مجرد هبّة سريعة خاطفة وقصيرة.. ثورة عرابى هى عند المصريين هوجة وهَبَّة.. وخلصت.. انتفاضة 18 و19 يناير، لم تستمر أكثر من يوم ونصف اليوم تقريبا، أكبر مظاهرة نقوم بها لا تستمر أكثر من ساعتين وبعدين كلنا نزهق، الذين يضربون والذين ينضربون والذين يتفرجون. أى مشروع حكومى تتغنى به الحكومة أسبوعا أو اثنين وبعدين تسكت وتنسى ولا يكتمل أى مشروع، حتى لو كان -كالعادة- فاشلا ووهميا. أى حملة للمقاطعة لأى شىء لا تكمل أسبوعين ثم تنتهى وننساها كلنا، من كان معها ومن كان ضدها. يعتصم القضاة ويواجهون انتهاك القضاء وضرب استقلاله وتنصيب نائب عامّ خصوصى للرئيس الإخوانى ويكشفون زيف الاستفتاء فنلتفّ حولهم ونحبّهم وندعمهم، لكن هم ونحن نزهق من طول المعركة، التى هى أساسًا فى بدايتها. ليس هذا فقط بل نحن قصار النفس حتى فى الحروب، انهزمنا فى ستة أيام فى 1967، وافقنا على وقف إطلاق النار، وطلبناه بعد أيام من 6 أكتوبر 1973، بل وافقنا ونفّذنا بعد 16 يوما فقط من بداية الحرب.. هذا داء مصرى صميم ومخيف، أننا لا نتمتع بالدأب ولا بالقدرة على الإصرار وعزيمة التحمل.. يعتصم العمال يومين تلاتة وبعدين ما يصدقوا يتصل بهم وزير القوى العاملة أو يأتى إليهم مندوب وزارة الاستثمار فيوافقون على فض الاعتصام بأقل قدر ممكن من الاستجابة لطلباتهم وحقوقهم.. معارك المصريين كلها قصيرة، فى ميادين السياسة والعلم والتاريخ والحروب والمقاومة، كلها قصيرة جدا لمجتمع وشعب مقطوع النفس يزهق سريعا وييأس أسرع، لهذا فالذكاء الوحيد الذى يملكه الآن الإخوان المسلمون محترفو العمل تحت الأرض وجنود التنظيمات السرية وأصحاب النفَس الطويل المعتمد على السمع والطاعة وقطعان الممسوحين عقليا، هو قدرتهم على فهم الأنفاس المقطوعة للمصريين. لم تنتهِ أى معركة من أجل أهداف ثورة يناير حتى الآن، وهى بالموقف الحالىّ والمشهد الآنىّ ثورة فاشلة بكل المقاييس، ولكن المحبَطين اليائسين الذين يعلنون عن إحباطهم بمنتهى الأسى المخلص، يثيرون الشفقة علينا، فكيف للاعب فى قلب الملعب ولا تزال المباراة طويلة أن يُحبَط وييأس وعايز يمشى؟ المباراة لم تنتهِ لمجرد أن حَكَمًا مدلِّسًا احتسب هدفًا غير شرعى، أو أن لاعبًا من الفريق المنافس وضع هدفًا بيده، أو أن جمهور الفريق المنافس ألقى طوبًا أو يشتم المنافسين... اللعب تحت ضغط واللعب رغم الحَكَم والرطوبة وارتفاع درجة الحرارة واللعب حتى الفوز، هو شرط الساعين للفوز بالبطولة. فإما إذن أن يواصل المصريون ثورتهم بمواجهة وجه العملة الآخر لمبارك وهو الاستبداد السياسى والدينى لمحمد مرسى وإرهاب جماعته التى تشبه كالتوأم الملتصق الحزب الوطنى، وإن كان الحزب الوطنى لم يجرؤ على أن يزوِّر ويضرب ويعذِّب بنفسه باسم الدين، وجرؤت هذه الجماعة الفاشية الفاشلة.. هذه «إما» الأولى (مواجهة حتى نصر الثورة)، وإما أن نحفر حفرة كبيرة جدا نجعلها قبرًا للديمقراطية والحرية وندفن مستقبل مصر فيها!

ليست هناك تعليقات: