الخميس، 10 مايو 2012

الفرق بين الرجولة والشيخ

محمد جمال يكتب ( الشيخ والطبيبة ) ه



------
أنت تعرف الشيخ بالتأكيد,فمن المستحيل ألا تعرف صاحب الوجه البشوش الذى تنطق تقاسيمه بالنقاء و الصلاح و تضفى عليه لحيته المهذبة دائما بعناية هيبة محمودة وتكون مع صوته المتهدج الخاشع ودموعه القريبة دائما صورة لرجل الدين كما ألفته وأحببته.


حين تجتمع كل تلك العوامل السابقة مع كونك أحد أبناء جيل عاش في ظل غياب متعمد من الأزهر وتسطيح مقصود لمناهج التربية الدينية و محاولات مستمرة لتكريهك فى خطبة الجمعة و تحويلها إلى شىء روتينى ممل وظيفته التفرقة بين صلاة الجمعة و الظهر بعد أن ساءت لغتها و تعرضت موضوعاتها لتقييد أمنى شديد و صار من العادى تماما أن تخرج من المسجد كما دخلته ودون أن يعلق بوعيك شىء بعد أن استمعت إلى خطيب ينصب الفاعل مع سبق الإصرار و الترصد


تجد نفسك تلقائيا تستمع إلى شريط كاسيت لواحد من هؤلاء الشيوخ الذين اقترنت أسماؤهم دائما بلقب ( الممنوع من الخطابة) ,و تتفتح أذنك ساعتها على أسطورة (إنتا مبتصليش لييييييييييييييييه؟؟؟!!!!!) للشيخ حسين يعقوب أو تبكى عيناك بعد أن تستمع فى خشوع إلى المقصود بمقالى و هو الشيخ محمد حسان فى شريطه الذى تحدث فيه عن وفاة الرسول-صلى الله عليه وسلم-


ظل الشيخ حسان بلغته السليمة وإمكاناته المعروفة فى الخطابة وما أسلفت ذكره من مقومات القبول و التأثير محط إعجابى و تقديرى بل كنت أحيانا أعتبره دليلا حيا على أن هذه البلد و لادة حقا و لكنها للأسف لا تمنح الفرصة لمن يستحق من أبنائها


بعد أن ظهرت موجة الفضائيات الدينية و قبل قيام الثورة بسنوات قليلة أخذ سؤال يلح على عقلى باستمرار (هو الشيخ حسان ساكت ليك على اللى بيحصل فى البلد؟؟؟) كان السؤال طبعا منطبقا على كل الدعاة الذين منحتهم الفضائيات الجديدة فرصة كبيرة للظهور و لكن لما للرجل من مكانة كبيرة عندى وقتها فقد كان السؤال فى داخلى متمحورا بشكل كبير حوله وطبعا كانت الاجابة التى أتلقاها دائما حين أصارح أحدا بسؤالى ( إنتا مش عارف أمن الدولة ممكن يعمل فيه ايه؟؟) وكانت الاجابة ترتدى ثوب المنطق و لكنها لم تقنعنى لأن الشيخ يعلم أكثر منى بالتأكيد ثواب من يجابهون الحاكم الظالم بما يكرهه من الحق و تاريخ الأئمة ملىء بالتضحيات


قامت الثورة و خلعت من خلعت ووضعت من وضعت دون أن ألمح لشيخى ظهورا ثوريا مؤثرا كمثل كثيرين ممن ينتمون لرجال الدين وقلت وقتها أن الرجل لا خبرة له بالسياسة تمكنه من مواجهة موقف خطير كالذى مررنا به و تجربة جديدة تماما كالتى عشناها


ومضت الأيام , ووجدت نفسى غير قادر على إيجاد المزيد من الأعذار للشيخ مع توالى السقطات فمن إشارة إلى المتظاهرين ضد المجلس العسكرى و معارضيه بقوله( يريدون كسر الجيش كما كسروا الشرطة!!!!!) ثم السكوت المريب عن حقوق المتظاهرين فى أحيان عديدة ثم تلك المزحة المضحكة المبكية المخزية التى أسماها الشيخ (المعونة المصرية) و التى لو سمع بها العز بن عبد السلام –رحمه الله- لحزن من أجل قوم رجال دينهم لا يسألون الحاكم أن يضع حدا أقصى للأجور و لا أن يسترد أموالا نهبت و لا أن يستعيد أموالا هرِّبت ولكنهم يسألون بائعى الفجل و الجرجير عما يعين البلاد على الاستغناء عن معونة أمريكا


أما الطبيبة..فأنت غالبا لا تعرفها,و ما كنت لأعرفها أنا أيضا لو لم تجمعنا الزمالة فى كلية الطب آية محمد كمال....طبيبة نفسية شابة تقضى تكليفها فى إحدى مستشفيات القوات المسلحة بعد أن أنهت سنة الامتياز منذ شهور قليلة, آية إنسانة تمثل التجسيد الحى لمعنى الثورية


فأنت تراها فى ورشة عمل لتعلم أساسيات البحث العلمى من أجل الوصول إلى مستوى أفضل لرسائل الماجستير و الدكتوراة و تراها متظاهرة فى التحرير تهتف بسقوط حكم العسكر و يمكنك أن تسمعها و هى تحكى لك عن زيارتها لكرم الذى أصيب فى الثورة و يرقد الآن فى القصر الفرنساوى ضاربا المثل فى الوطنية و الرضا بقضاء الله وقد تحتاج إلى مشورتك من أجل تحريك قضية ضد المسئولين عن الإهمال فى علاج مصابى الثورة و تجدها فى الجمعية العمومية للأطباء من أجل كادر يمنحهم حياة آدمية و يمنع عنى الحرج الذى استشعرته مرة حين علمت أن مرتبى يقل عن مرتب عامل النظافة الذى يشكو لى أن مرتبه لا يكفيه


آية تختلف عن الشيخ حسان فى أشياء كثيرة و لكنهما يجتمعان فى أمر هام و هو أن الأيام الماضية كان فارقا فى حياة كل منهما و نظرة الناس له



الشيخ محمد حسان ذهب مع وفد للاعتذار لملك السعودية على إساءة البعض له أمام سفارته بالقاهرة الوفد تجاوز عدده المائة و روعى فى تشكيله محاولة ضم من ظنهم مشكِّل الوفد رموزا للمجتمع المصرى بكل طوائفه.هذا الوفد الذى ذهب - شايل كفنه- إلى السعودية بعد إعتذارين من المشير ووزير الخارجية أناب عنه الشيخ محمد حسان للحديث فى مؤتمر صحفى كبير لكى يتقدم الشيخ فى خطوات سريعة إلى الميكروفون ليطل علينا بصوت متهدج ينطلق بخطبة عصماء جاء فيها خلط غريب بين بلاد الحرمين و خادمهما وكأن المصريين قد غضبوا من وجود دولة السعودية على خريطة العالم و ليس من تصرفات قيادتها السياسية ضد إخوة لهم و لم يكتف الشيخ بذلك بل أرسل رغبة حارة إلى آذان خادم الحرمين فى كرم الوفادة الذى يقضى بأن يعود مع الوفد السفير السعودى الذى خرج من مصر بإرادته و ليس –لا سمح الله- أن يعود معه مواطن مصرى مظلوم قامت فى بلاده ثورة من أجل كرامته و أتبعها بتوضيح أن مصر تحتاج إلى شقيقتها بجانبها فى ظروفها الصعبة أدام الله عليكم أمنكم (واخد بالك إنتا؟؟؟)



هل تعلم يا شيخ حسان أن رجالا بكوا من إحساسهم بالذل بين يدى إعتذارك المقيت؟؟؟



هل تعلم أن مصريين كثيرين يعيرون باعتذارك وبوفد العار الذي صحبته؟؟؟



هل تعلم أن بعض السعوديين يتشدقون الآن بأنك و من معك قد ذهبتم خوفا من عودة المصريين لأن مصر فى نظرهم بلد ضاقت بأبنائها و لن تحتمل المزيد منهم؟؟؟



لماذا لم نسمع ذلك الصوت المتهدج و هو يتحدث عن صفحة واحدة من ملف عذابات المصريين فى بلاد الحرمين أو حتى يشير إليها بشكل عرضى بين يدى الملك؟؟



شعبك البسيط يا شيخ حسان يدرك أن الكرامة أهم من المال و المصالح وإلا لعددنا العاهرات و المرتشين و الخونة فى عداد الفائزين



أما آية...فقد اعتقلت فى أحداث العباسية من داخل مسجد النور لتتعرض إلى أفظع أنواع الإهانات الجسدية و النفسية من أناس يغضبون من التظاهر على بعد كيلومترات من وزارتهم و لا يغضبون من قتل إخوة لهم على الحدود



آية التى أطلق سراحها تحت ضغط شعبى فوجئت بعد خروجها أن لها قضية تنظر الآن أمام القضاء العسكرى و لكن هذا لم يمنعها من ترديد هتافها المفضل (يسقط يسقط حكم العسكر) بعد خروجها بدقائق



آية التى نابت عن وفد آخر من حرائر مصر وقفت أمام (رجال) أدخلناهم البرلمان لتصدع بشهادة الحق عما حدث لها و أشعرتنى مع كثيرين أننا لسنا رجالا حين نسمح بحدوث ذلك لأخواتنا مهما اختلفنا مع وجهات نظرهم بخصوص اعتصام أو غيره



الغريب أن صوتها جاء قويا واضحا و ليس متهدجا كصوتك يا شيخ حسان آية يا شيخ حسان أحست بالعزة فى نفسها فأعزها الله فى أعين الملايين بعد أن أهانها العشرات من أنصاف الرجال آية يا شيخ حسان ليس لها مريدون يدافعون عنها ولا تابعين يموتون دونها ولكن لها شعب لا تمنعه بساطته و رقة حاله من معرفة من يعلى كرامته و من يهدرها



آية يا شيخ حسان مكتوب فى بطاقتها أنها أنثى و ليس فى وجهها الذى اعترته كدمات البطش وخدوشه أثر للحية أو شارب و لكنها أثبتت أنها أكثر رجولة من كثيرين



عاشت مصر و تحيا الثورة

ليست هناك تعليقات: