الجمعة، 13 أبريل 2012

اول حوار لـعمر سليمــان مع عـادل حمــودة كاملاً والذى نشر فى "عدد الفجر الاسبوعي"









أثار حديث الإعلامى الكبير الأستاذ عادل حمودة رئيس تحرير جريدة الفجر الإسبوعية مع اللواء عمر سليمان نائب رئيس الجمهورية الأسبق ومدير مخابراته جدلا واسعا على كافة المستويات المحلية والدولية نظراً لأنه اللقاء الوحيد الذى تم مع مرشح الرئاسة "سليمان" منذ يومان.
وفى ذات السياق تناولت عدد من الصحف الدولية اللقاء الذى تم بين حمودة وسليمان واصفة بأنه الظهور الأول لنائب الرئيس، فيما تناول عدد من البرامج التلفزيونية هذا اللقاء الذى كشف فيه سليمان كثيرا من الأسرار التى إختفت لعقود طويلة عن الشعب المصرى .
وإليكم نص الحوار الذى دار بين حمودة وسليمان
■ الهجوم الشرس من شخصيات مثقفة ومسلمة ومتنافسة علىّ يعنى أنهم يخشوننى!
■ لقاءاتى مع المشير لا علاقة لها بالترشح.. وكانت من أجل المواقف الخاصة بمساعدة مصر
■ لم نر دولة حكمها التيار الدينى ونجحت.. ومصر ستعانى من العزلة لو فاز الإخوان بالرئاسة!
■ صحف كثيرة هاجمتنى إلى حد الابتزاز.. لكننى رفضت أن أرد عليها
■ أولادى كانوا يرفضون ترشحى ثم عادوا وطالبونى بالترشح لمواجهة التيارات المتأسلمة ولإحداث التوازن بين السلطات
فى صيف 1996 اختفت سفينة صيد مصرية فى البحر المتوسط.. انشقت المياه الليبية.. وابتلعتها.. لكن.. الأنظار توجهت ناحية قرصان بدرجة رئيس دولة هو معمر القذافى.. وما أكد اتهامه معلومات سربها لى قائد بحرى فى الإسكندرية كانت مهمته البحث عن السفينة.

لم أتردد فى نشر ما توصلت إليه من معلومات فى روز اليوسف التى كنت مسئولا عن تحريرها فى ذلك الوقت.. ولكن.. قبل أن يستقر العدد بين يدى القراء أبدى القذافى غضبه مما كتبت.. ووصل غضبه إلى مبارك.. فطلب عمر سليمان أن يرانى.

سألنى عن مصدر معلوماتى.. لكننى طلبت منه إعفائى من هذه الورطة الثقيلة المهينة التى ستشعرنى باحتقار نفسى.. ودون تردد أبديت استعدادى لتحمل ما يرونه من عقاب.. بما فى ذلك تقديم استقالتى ونشرها فى الصفحات الأولى من الصحف الصباحية.

لكن.. الرجل لم يواصل ضغوطه.. وفوجئت به يقبل بتسوية مهنية للخبر.. محطما فى ثوان الصورة المرعبة لمدير المخابرات التى استقرت فى أذهاننا.. منذ عصر صلاح نصر.

فى ذلك الوقت كان نشر اسم مدير المخابرات محرما صحفيا.. أو كان نوعا من انتهاك السرية للأجهزة الخفية.. بل إن المخابرات العامة نفسها كان يشار إليها فى الصحف بجملة « جهة سيادية».. فكلمة مخابرات كان تحظى هى الأخرى بعشرات الخطوط الحمراء.

وعندما نجا مبارك من حادث أديس أبابا تسرب اسم عمر سليمان من الغرف المغلقة إلى الشوارع المفتوحة لأول مرة.. فقد أشيع أنه هو الذى شحن له سيارة مصفحة إلى العاصمة الإثيوبية كانت السبب فى نجاته.

وما إن وضعت وكالة المخابرات الأمريكية أنفها فى القضية الفلسطينية ( فيما عرف بتفهمات تينت نسبة إلى جورج تينت مدير الوكالة) حتى أصبحت السياسة الخارجية فى يد مديرى المخابرات فى المنطقة.. وأصبح وزراء الخارجية مجرد متحدثين صحفيين يلخصون ما انتهت إليه الاجتماعات والمفاوضات ويصرحون بما هو مسموح حولها.

وبهذا الانقلاب الصارخ فى المطابخ الرئاسية لم يعد هناك ما يبرر إخفاء اسم عمر سليمان.. ولم يعد هناك ما يمنع من نشر صورته.. وأخباره.. وسفرياته.

لكن.. بقى صوته بعيدا.. لا يصل إلى غالبية الناس.. فما يقوله لا يخرج من الغرف المغلقة المبطنة بأساليب الصمت.. والمحصنة بوسائل اتصال مؤمنة.. ظل كلامه غير واصل إلا لمن يعملون فى مطابخ السياسة.. ويديرون مصالح الدولة.. ويواجهون خصوم الأمة.. وهو ما جعل صورته صماء.. وربما جامدة.. جافة.. لا يعرف خصالها إلا من وضعتهم الظروف فى دائرته الضيقة.

وبحكم مهنتى الصحفية التقيت به كثيرا.. وتحدثت معه طويلا،وسمعت منه وجهات نظر فى أمور عديدة.

أحيانا كانت اللقاءات بمناسبة أحداث ما فرضتها السياسة.. مثل جمع الفصائل الفلسطينية المتحاربة على هدف وطنى واحد.. وجرى ذلك بعيدا فى أحد فنادق مدينة ( 6 ) أكتوبر.. أو مثل تغطية رحلات مبارك إلى واشنطن فى أوقات كانت العلاقات المصرية الأمريكية تتعرض لمتاعب وهزات.. أو مثل مؤتمرات شاركت فيها جنسيات مختلفة.. خارج القاهرة.

وأحيانا.. كانت اللقاءات شخصية وعابرة رتبتها الأقدار فى إجازات أعياد حين تصادف أن قضيناها فى فندق موفنبيك الشهير فى شرم الشيخ.. كان فيها يجلس وسط عائلته على موائد الطعام.. أو بمفرده فى حديقة المكان.. وقد كنت أرى أن من حقه الانفراد بنفسه أو بأسرته دون تطفل من أحد.. إلا إذا شاء.

وغالبا.. ما كانت هذه اللقاءات استدعاء منه لترميم شروخ فى العلاقات مع دول مؤثرة فى المنطقة العربية ( خاصة ليبيا والسعودية والأردن ) سببها نشر أخبار أو صور عن حكامها.

كان عمر سليمان يبرر استدعاءه لى بعد النشر بأن لدينا ملايين من المصريين يعملون فى هذه الدول.. وعلينا أن نحرص على مصالحهم قبل أى شىء آخر.

وكان اللقاء الأخير معه فى القصر الرئاسى بعد أن أصبح نائبا للرئيس.. عقب الثورة.. وساعتها وضع أمامنا خيارين لا ثالث لهما.. إما الاستسلام لحالة الفوضى المتنامية.. أو القبول بانقلاب عسكرى.

وقد اتاحت لى هذه اللقاءات الممتدة على مدى سنوات طوال رسم صورة مباشرة لشخصيته.. فهو هادئ.. متزن.. متواضع.. متماسك.. صريح.. لا ينفعل.. يستمع جيدا.. يجيد توصيل الرسائل بسهولة.. يكشف لك ما يفكر فيه بأسلوب مستقيم.. ويدلل عليه بكم مناسب من المعلومات تكفى لإقناعك بما يريد.

وحدث أن جاءت مناسبة لشرح وجهة نظره فى تأمين حدود مصر دون توتر أو صدام.. فيما يمكن وصفه بتصوره للدائرة الأولى للأمن القومى المصرى.

الحدود الغربية مع ليبيا تؤمن بسيطرة شخصية على حاكم.. مغامر.. متهور.. غريب الأطوار.. مصاب بجنون العظمة.. فكان لابد من التعامل معه على قدر عقله.. وربما تدليله.. والاستجابة لنزواته غير المحسوبة.

والحدود مع إسرائيل تؤمن بخلق مصلحة للدولة العبرية فى بقائها ساكنة ملتزمة من خلال مشروعات إستراتيجية تحافظ عليها.. مثل مد خط الغاز لتوليد الكهرباء.. وقبل ذلك مشروع مصفاة ميدور لتكرير البترول فى سيدى كرير.

أما الحدود مع السودان فتؤمن من خلال تهدئة النظام العسكرى المتأسلم والمتأمر هناك.. وكانت ذروة التوتر معه عقب احتضانه للخلية الإرهابية التى حاولت اغتيال مبارك فى أديس أبابا.. وكان الرأى أنه لا يجوز الانتقام من السودان مهما كانت الأسباب والدوافع.. فمصالحنا معه لا حدود لها.

ولا أحد يصدق أن عمر سليمان يتمتع بخفة ظل مفاجئة.. سألناه بعد أول لقاء بين مبارك وجورج بوش الابن عن رأيه فى كونداليزا رايس فقال بهدوئه المعتاد: « رجليها حلوة» .. وبالفعل كانت وزيرة الخارجية الأمريكية السمراء تتعمد ارتداء ثياب قصيرة.. وأحذية متميزة.. لشد الأنظار إليها بعيدا عن الوجه الذى خاصمته الجاذبية.

لم تكن مثل هذه التعليقات هروبا من الإجابة.. بل كانت كشفا لجانب آخر فى شخصيته.. فهو رغم سنوات عمره الطويلة التى قضاها فى المخابرات الحربية والمخابرات العامة لا يزال يتمتع بتذوق الجمل المليحة.. والموحية.

وفى هذه الرحلة بالذات تحدث الرجل كما لم يتحدث من قبل.. لقد تعودنا فى الرحلات الخارجية الرسمية أن نتبادل معه كلمات المجاملة العابرة.. دون أن نسأله عما يجرى.. لكن.. هذه الرحلة كانت الرحلة الرئاسية الأخيرة لعمرو موسى وهو وزير للخارجية.. فقد كان عليه فور عودته إلى القاهرة أن يجهز نفسه لتولى منصبه الجديد.. أمينا عاما للجامعة العربية.

وحسب خبرتى.. فإن عمرو موسى عندما يتكلم يحسب حساب صورته التليفزيونية.. مؤكدا على نجوميته المميزة.. وعندما يتكلم أسامة الباز فإنه يأخذك بعيدا عما جرى.. وبعد ساعات من الصبر.. ستجد نفسك لا تمسك شيئا.. أما.. رجل المعلومات.. غير المناور.. عمر سليمان فيكشف من الأسرار والمعلومات ما يرضى غرور أكثر الصحفيين نهما وشراهة.

على أننا لم نتصور ذلك.. والمؤكد أننا فوجئنا به.. فى واشنطن.. وعلى مائدة عشاء فى واشنطن دعانا إليها صفوت الشريف وكان وقتها وزيرا للإعلام وحضرها عمر سليمان وعمرو موسى وزكريا عزمى ورؤساء تحرير الصحف المختلفة.. وجدنا عمر سليمان وعلى غير ما توقعنا يفرط فى الإجابة عن أسئلتنا.. ولم نكن مستعدين لذلك.. فلم نجد سوى مناديل الورق الموضوعة أمامنا لنكتب عليها ما يقول من معلومات وما يكشف من أسرار.

وما يثير الدهشة فى هذا الرجل قوة أعصابه.. وتماسك ملامحه.. فهو يعرف بحكم عمله كل شىء عمن يتحدث إليهم دون أن يشعرهم بذلك.. إن المعلومات قوة مدمرة.. لكنها.. لم تخرجه عن تواضعه.. لكنه.. يقول: إن « أخلاقى لا تسمح لى باستخدام معلومة عرفتها بحكم عملى استخداما شخصيا.. هكذا تربيت مثل أهلى فى الصعيد.. ولن أتنازل عن ذلك مهما تعرضت من هجوم وافتراء».

وتأكيدا على التواضع كان يسافر إلى الإسكندرية لقضاء عطلات نهاية الأسبوع أحيانا فى القطار.. دون حراسة.. أو مواكب تسد الطرق.. وتجهز على ما تبقى من أعصاب المصريين.

والمؤكد أن عمر سليمان كان ضد مشروع التوريث.. كما أنه لعب دورا مؤثرا فى إقناع مبارك بالتخلى عن السلطة.. وجرى الاتفاق على تشكيل مجلس رئاسى يدير شئون البلاد فى الفترة الانتقالية يضم نائب الرئيس ورئيس المجلس الأعلى للقوات المسلحة ورئيس الحكومة وشخصيات أخرى.. ولكن.. سرعان ما تبخرت الفكرة.. وعاد عمر سليمان إلى بيته.. مختفيا عن الأنظار.

فى تلك الفترة تكلمنا معا عبر الهاتف.. نفى لى بصورة قاطعة أنه يفكر فى ترشيح نفسه.. واكتفى بالقول: « إنه يريد من الجميع أن ينسوه».. وأتصور أنه كان جادا فيما قال.. فما الذى جعله يغير رأيه.. وينزل سباق الانتخابات الرئاسية؟.. وهو سؤال شديد الأهمية لا أحد يجيب عنه سوى عمر سليمان نفسه.

الانقلاب الأخير فى حياة عمر سليمان

قبل ساعات قليلة دخل عمر سليمان مقر حملته الانتخابية فى حى مصر الجديدة بالقرب من قصر البارون.. فى نفس الوقت تقريبا.. كنت أول صحفى يقابله منذ أن ترك منصب نائب الرئيس.. وبعد أن ترشح للرئاسة.

الحوار امتد ساعات طوال تحدث فيها عن سر ترشحه المفاجئ للرئاسة بعد أن قرر قضاء ما تبقى من عمره بعيدًا عن الحياة العامة.. وتحدث عن العلاقات الخفية بين الإخوان المسلمين وجهاز المخابرات العامة.. وتحدث عن سنوات عمله فى هذا الجهاز المسئول عن الأمن القومى المصرى.

بهدوئه المعتاد.. وصوته المميز.. وأعصابه القوية.. بدأ رواية القصة من أولها:

قال:

«منذ خرجت من السلطة قررت بينى وبين نفسى أننى أديت ما على حربا وسلما لمدة 56 عاما.. وأن ما قدمته لمصر يجعلنى مكتفيا وسعيدا بما أنجزته.. ولدى قناعة مؤكدة أنه حان وقت الراحة».

«فى ذلك الوقت تحدثت مع كل الناس الذين قابلتهم وقلت إننى سوف أركن إلى الراحة.. ومنذ توليت منصب نائب الرئيس أصبحت شخصية عامة يمكن أن تتعرض للهجوم.. لم أعد مديرا للمخابرات العامة الذى يتمتع بحصانة المنصب.. وبدأت الصحف تدعى على باتهامات ربما تصل إلى حد الابتزاز.. وأنا قلت لصحفى كبير فى حوار تليفونى جرى بيننا: «أتمنى أن ينسانى الناس.. عايزهم ينسونى.. لأن ما تبقى من العمر ليس طويلا.. ومن حقى أن أرتاح.. ولا أفكر فى الترشح للرئاسة على الإطلاق».

كان عمر سليمان يقصدنى.. وقد جرى هذا الحوار بعد أيام قليلة من اختفائه عن الحياة العامة.

سألته: كيف كانت علاقتك بالمجلس العسكرى بعد أن تركت السلطة وذهبت إلى بيتك؟

قال: «كانت علاقتى بالمجلس العسكرى علاقة زمالة وأخوة.. وقدمت إليهم ما لدى من خبرة وإمكانيات فى الاتصالات الخاصة بمساعدة مصر للخروج من بعض الأزمات التى تعرضت لها.. فعلت ذلك تطوعا.. وليس تكليفا.. لم يكلفنى المجلس العسكرى بأى مهمة على الإطلاق.. لكن كل ما استطعت القيام به حدث تطوعا.. والمجلس العسكرى يعلم تمام العلم بنيتى فى عدم الترشح وبنيتى فى عدم الظهور إعلاميا مهما كانت الأسباب».

قلت: الناس لم تسمعك من قبل.. وحسب المثل الشهير.. تكلم حتى أراك.. لماذا لم تخرج وترد على المهاجمين عليك وأنت بالقطع قادر على ذلك!

قال: «باعتبارى كنت مديرا للمخابرات العامة 20 عاما فإننى تأثرت بهذه المدرسة فى الغموض والكتمان.. وبالتالى قررت ألا أظهر فى أية وسيلة إعلامية للرد على تجاوزات البعض واتهاماته.. وحدث ذلك خلال نحو عام ونصف العام تقريبا».

ليست هناك تعليقات: