الاثنين، 5 ديسمبر 2011

مجلس العباسيين


التحريرمقالات

إبراهيم عيسى
قال لى سياسى كبير التقى مؤخرا قيادات المجلس العسكرى فى اجتماعات الثرثرة اللطيفة التى تنعقد بينهم إن تقديره أن المجلس منزعج جدا من نتائج الانتخابات البرلمانية ومن الصعود المدوّى للإخوان والسلفيين.
وإن لم يكن هذا نوعا من الادعاء حرص عليه أعضاء من المجلس أمام مجموعة من القوى السياسية المختلفة مع الإخوان، وإن صح ما نقله هذا السياسى عن انزعاج المجلس من نجاح الإسلاميين، فإن هذا يعنى أن المجلس العسكرى غير مؤتمن على إدارة البلاد، لا لأنه أسهم بكل قوة وبحرص وحماس وإخلاص فى تسليم مصر للإسلاميين فقط، بل لأنه كان يتصور أنه لا يفعل ذلك، فالمصيبة أننا تحت ولاية وإدارة جنرالات لا يفهمون فعلا فى السياسة ولا يفهمون مصر!
ثم ماذا لو انزعج الأجداد والآباء الكبار من جنرالات المجلس من نجاح الإسلاميين؟
ليس فى يدهم أى شىء ولا يملكون أى ورقة لمواجهة هذا النجاح المدوى!
ثم إنهم لا يملكون أى مصداقية لدى القوى الليبرالية والثورية واليسارية عماد ثورة 25 يناير، كى يطلبوا منهم التحالف فى مواجهة الإسلاميين، فضلا عن أنها ستكون جريمة وطنية خرقاء إذا تصور الليبراليون أنه يمكن التنسيق مع المجلس ضد إرادة الشعب!
إن أى تدخل سافر من المجلس أو من غيره ضد نجاح الإسلاميين وحقهم فى تشكيل حكومة بلادهم هو اعتداء على الديمقراطية لا يجب أن يسقط فيه متورطا أو متواطئا أو مشيرا أو مشيحا أو متجاهلا أو صامتا أو مهللا أو مهنئا أو منافقا أو شامتا أىُّ شخص ديمقراطى.
لقد صار من حق الإخوان والسلفيين الآن ما دام الشعب اختارهم، ومهما كان رأينا فى سلامة الانتخابات (وهو رأى سلبى على أى حال)، أن يحكموا بلدهم وأن يتولوا شؤونه وأن ينفذوا ما وعدوا مصوتيهم به.
الحاصل أن المجلس العسكرى سيكمل طريقه الواضح فى تدمير ثورة يناير، وهو من خلال إجراءات وقوانين هؤلاء الجنرالات الفاشلين فى السياسة قد يحوِّل مصر إلى دولة دينية ليسترد الإخوان حقهم ويثأروا مما فعله فيهم عسكر يوليو منذ ستين عاما، حيث ركب الإخوان ثورة يناير وصعدوا إلى حكم مصر بعدما فشلوا فى ركوب ثورة يوليو وحكم مصر بعدها!
يتصور المجلس العسكرى بمنتهى الطيبة المثيرة للشفقة أنه نجح فى إقامة انتخابات ديمقراطية ويحب أن يسمع طنطنة شكر ومديح له على هذا الواجب، والحقيقة أنه نجح فى إقامة انتخابات شهدت تجاوزات مذهلة، ومع ذلك فالتصويت فيها كان حرا، لكنها لم تكن ديمقراطية، فالمجلس يوم سمح بإنشاء أحزاب دينية أنهى أى فرصة لإقامة انتخابات ديمقراطية، فكيف تتوفر الديمقراطية مع الدينية؟ وهل يمكن أن يكون عدلا أن نطلب من الناس التصويت للإسلام أو لمنافسه، للجنة أم للنار؟ طبعا الاختيار سيكون للإسلام حتى لو كان حاملو اسمه يتاجرون به، وليس للإسلام والجنة دخل بتنافس حول كفاءة وقدرات وسياسة!
ثم كيف تكون انتخابات ديمقراطية وسط هذا المناخ الطائفى والفتن التى لم تتوقف فى عصر المجلس العسكرى الذى -يا للصدفة!- مَن قُتلوا تحت ولايته وبفضل رعايته هم فقط ثوار يناير وأقباط ماسبيرو، وفى ما عدا ذلك فإن المجلس لم يمس شعرة من دقن أى أحد آخر!
ليس للمجلس العسكرى أن يتألم من الشوك الذى زرعه حين يحصده وليس له أن يتشكى من آثار فشله، فهو الذى فشل لا نحن، المجلس العسكرى منذ اللحظة الأولى كان بقوانينه وإجراءاته وقراراته واختياراته وهواه ومزاجه وتصريحات جنرالاته وكل نفس تنفسوا به ضد ثورة يناير وثوارها، وليس أدل على ذلك من أن كل المنافقين والأفاقين الذين كانوا يهللون لمبارك ونظامه وينافقونه ليل نهار ويمسحون حذاءه رياءً ثم ينظمون له المسيرات فى مصطفى محمود ويهاجمون ثوار التحرير ويقذفونهم بأشد التهم نكالا، هم أنفسهم بذات السمت والصورة الذين ينافقون المجلس العسكرى ويهللون له ويعملون له المسيرات ويرفعون صور جنرالاته فى العباسية ويسبون على حسه كل ثوار التحرير. إن الذين هاموا حبا ونفاقا فى مبارك ونظامه يهيمون حبا ونفاقا فى المشير ومجلسه، فما الذى يستنتجه الجنرالات الفرحون بالعباسية والسعداء قوى بالمواطنين الشرفاء، حيث يملك جنرالات المجلس أختام الشرف يوزعونها على منافقيهم ومؤيديهم، ما الذى يستنتجونه من حقيقة أن أحباء مبارك هم أحباء العسكرى؟
لا يوجد أى شك فى الاستنتاج..
أن مبارك والمجلس العسكرى واحد!


ليست هناك تعليقات: