السبت، 19 نوفمبر 2011

ربيع عربي يحترق بين نارين


راجح الخوري
سيبقى "الربيع العربي" عالقاً بين نارين، نار الماضي البائس الذي راوح مدة نصف قرن تقريباً تحت حكم الديكتاتوريات البغيضة التي سدت الآفاق على الانسان والمجتمعات وسجنت الفكر داخل قوالب إملاء الحكّام ومنعت الاجتهاد خارج اطار الردح والتزلف لـ"الزعيم الاوحد"، ونار المستقبل الغامض بعد سقوط الاصنام السياسية ليبرز فراغ مخيف لا يجد من يملأه الآن مثلاً في تونس ومصر وليبيا غير الانكفاء الجماهيري الى البعد الديني، الذي لا يوفر للثورات وشبابها شيئاً من احلام الديموقراطية والحداثة في اطار الدولة المدنية التي دغدغت الاحلام في الساحات وعند المليونيات المستيقظة على احباطات كثيرة!
سيمضي وقت طويل قبل ان تزهر نبتة صبّار "الربيع العربي"، وستدفع الشعوب كثيراً من الفواتير المؤلمة ومن الخيبات على ما يحدث في تونس التي استيقظت لتجد نفسها في قبضة راشد الغنوشي الذي لا يقدم التزاماً قطعياً بالدولة المدنية، وعلى ما يحدث في مصر التي تراوح في "المليونيات" التي يسيّرها "الاخوان المسلمون" بعد انكفاء شباب "ميدان التحرير"، وعلى ما يحدث في ليبيا الغارقة في فوضى السلاح يتم تهريبه الى تشاد ومالي ويكاد يغرق افريقيا، او يرتد ليخوض المعارك بين الثوار انفسهم.
إن غرق الثورات في مستنقعات الانقسامات والفوضى والاضطرابات هو الذي يقدم الآن زهور الخيبة الى شباب "الربيع العربي"، وهذا ليس جديداً في الثورات وحركات التغيير التي تحصل في مجتمعات خضعت طويلاً للديكتاتوريات المغلقة. واذا تذكرنا ان الثورة الفرنسية تخبطت في الفوضى والانقسامات مدة ثلاثين عاماً ومنها انطلق شعار "الثورة تأكل ابناءها"، فإن ذلك يساعدنا على توقع الكثير من "مآدب عربية" سيأكل الثوار فيها بعضهم بعضاً!
تحتاج "بورقيبية تونس"، وهي الأقرب الى عبور بوابة الربيع، الى كثير من الوقت لتقيم دولة مدنية تحول دون ظهور محمد بوعزيزي آخر يحرق نفسه احتجاجاً على الفقر. وتحتاج مصر الى زمن لكي تخرج اولاً من قبضة العسكر الذين يديرون الفوضى والصدامات الطائفية لتبرير استمرار إمساكهم بالسلطة، وثانياً من قبضة "الاخوان المسلمين"، وهؤلاء هم الاكثر تنظيماً وحضوراً في الساحة، لأن الامر في مصر هو كما في كل دول الثورات العربية، فالثورة تعجز عن انتاج خطاب جديد بعد حكم الديكتاتوريات المديد بسبب انسداد الافق وضحالة المعرفة والسطحية الفكرية، ولهذا ليس مستغرباً ان تنكفئ قطاعات الشعب الى البعد الديني الخلاصي الذي لا يقيم وزناً للديموقراطية والدولة المدنية. ولا تخرج ليبيا عن هذا الخط البياني اذا تجاوزت خطر الانزلاق الى حروب داخلية.
كل هذا من الكوابح التي تعرقل دينامية التغيير في اليمن وسوريا!

ليست هناك تعليقات: