السبت، 19 نوفمبر 2011

الثورة التي تسرق في وضح النهار


طه خليفة
لأول مرة.. أشعر بالقلق على الثورة من فلول الحزب الوطني المنحل بعد أن قرأت أسماء مرشحيهم على قوائم أحزاب جديدة تتبعهم، وأحزاب قديمة، وأخرى ثورية .
إنه غزو من الفلول للبرلمان القادم ويساعدهم في ذلك أن الأحزاب كلها باستثناء حزب الإخوان لم تستطع إتمام قوائمها فلجأت إليهم لسد الشواغر، والاستفادة من عصبياتهم العائلية والقبلية وما لديهم من أموال ومناصب مؤثرة في جمهور الناخبين.
هناك قوائم كاملة من الفلول، علاوة على مرشحيهم للمقاعد الفردية، ومنهم نواب بمجلسي الشعب والشورى المزورين المنحلين، وبينهم من كانوا خدمًا عند أمناء الحزب بالمحافظات، وهم وراء تفشي الفساد في الإدارات والأجهزة الحكومية والمحلية بالقرى والأحياء والمراكز والمدن، وكانوا هم من يباشرون التزوير في الانتخابات بمساعدة أجهزة الأمن والإدارة المحلية، وكانوا يعملون في خدمة مباحث أمن الدولة، بل كانوا يتطوعون للخدمة للإضرار بمن يمكن أن يناوئهم أو يفضحهم، وكانوا يطبلون ويزمرون للنظام، ويضللون البسطاء وعامة الناس ضد المعارضة الحقيقية والإصلاحيين، وكانوا هم من يلحقون أبناءهم وأقاربهم في الكليات العسكرية والنيابات باسم الحزب، وكانوا يستحوذون على الوظائف والمناصب والمواقع لذويهم بالواسطة والمحسوبية.
إذا كان مبارك هو رأس الفساد، وأن من حوله من أسرته وأركان نظامه هم من يلوونه في هذا الفساد ويغرفون سويًا منه، فإن أمناء الحزب كانوا هم رؤوس الفساد في محافظاتهم وكان من يلوونهم من أعضاء المجالس النيابية والمحلية وكوادر الحزب في المراكز والمدن والقرى هم من يساعدونهم في فسادهم، وفي سيطرة الحزب على كل مرافق البلاد وإبقائها تحت سيطرتهم، وهؤلاء المنتفعون والانتهازيون في المستويات الحزبية الوسطى والدنيا ليسوا أقل خطرًا ممن كانوا في المستويات العليا، بل أخطر لأنهم كانوا يسيطرون على الجمهور، وعلى الإدارة الفعلية لعملية الانتخابات، وبالتالي فهم يستحقون العقاب على إفسادهم الحياة السياسية، وإفسادهم الحياة بشكل عام في مصر.
لا يجب أن يُترك هؤلاء يترشحون ويفوزون ويدخلون البرلمان الجديد، برلمان الثورة، ولا يقولنّ أحد إنّهم لن يفوزوا، بل سيفوز منهم كثيرون لأن المصوتين وهم حزب الجالسين على الكنبة لا يفقهون معنى الثورة حتى الآن، وهم يجرون وراء من يعدهم أو يمنيهم بأي شيء، والفلول معهم المال ومازالت لديهم السطوة والنفوذ بحكم مناصبهم وعلاقاتهم وعشائرهم وعائلاتهم وهي مراكز بنوها وتحصنوا بها خلال سنوات العهد البائد الطويلة، فالأب ضابط الشرطة مثلاً له الآن أبناء وأقارب ضباط، والمستشار له وكلاء نيابة وقضاة، والموظف الكبير بالوزارات والهيئات التي تعطي مرتبات سمينة تعج بأبنائهم وذويهم، وهكذا احتكروا- خلال ثلاثين عامًا- كل موقع مهمّ في مصر، وحُرم الملايين من أي ميزة وظيفية أو مالية أو اجتماعية، فأي ثائر أو ناشط أو معارض لا يجد قوت يومه كيف سيواجه هؤلاء في الانتخابات، وهل سيتفرغ لإطعام نفسه وأسرته أم يرمح في دائرة تحتاج طائرة حتى يتنقل بين أرجائها.
فوز الفلول شبه مضمون وبعدد وفير من المقاعد مما سيجعلهم يؤثرون على القرار في برلمان الثورة، وقد يعملون على إعادة عقارب الساعة إلى الوراء.
لماذا يتأخر المجلس العسكري في إصدار قانون واضح وصريح بالعزل السياسي لشراذم الفساد في الحزب المنحل ولكل من ساهم وساعد في الفساد السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي والأخلاقي في عهد مبارك . إنه تأخر مريب غريب غير مفهوم وغير مبرر إلا أذا كانت الثورة لم تصل للمجلس العسكري بعد، أو كان هو غير مؤمن بها في جوهره ويساير الشعب فقط، أو كان يرى أن الثورة تنتهي بتنحي مبارك وقطع الطريق على توريث نجله، أما ما دونهما من قادة الحزب والنظام فلم تصل إليهم يد الثورة بالعقاب على جرائمهم، ولم يمسسهم سوء، وهم ردًا للجميل يضعون أنفسهم في خدمة المجلس العسكري و ينافحون عنه ويساعدونه ويسندونه في رغباته بالبقاء في السلطة، أو في نيله امتيازات وأوضاعًا خاصة في ترتيب أوضاع مصر الثورة.
لماذا يبقي المجلس هؤلاء الفاسدين، ولماذا يحميهم، ولماذا يكافئهم، فقد حصلوا على خيرات مصر طوال 30 عامًا، فهم رجال كل عصر، والآن يريدون الاستمرار في نيل المواقع والمناصب ودخول البرلمان، والاستمتاع بنفس الخيرات، بينما المحرومون يظلون محرومين للأبد، هذه ليست عدالة الأرض التي من أجلها قامت الثورة . لا أحد يرضى أو يوافق على ذلك، ولا أحد سيقبل أن تسرق الثورة.

ليست هناك تعليقات: