الثلاثاء، 14 يونيو 2011

عادل حمودة يكتب: من سومة العاشق إلي البسكوتة أسوأ من شرف مفيش!

عادل حمودة يكتب: من سومة العاشق إلي البسكوتة
أسوأ من شرف مفيش!

- أصيب بمرض الضوء.. لا يذهب إلي مكان إلا بعد أن يطمئن علي الكاميرا ويسافر كثيراً دون أن يجني شيئاً من سفرياته

- الذين حملوا عصام شرف علي الأعناق من ميدان التحرير إلي رئاسة الحكومة يمكن أن يحملوه علي الأكتاف منها إلي ترب «الغفير»

اشتهر الممثل المتميز توفيق الدقن بجملة سينمائية ثاقبة تحولت إلي مقولة شعبية ساخرة.. "أحلي من الشرف مفيش".. لكنها بعد سنوات طويلة من انتشارها انقلبت علي لسان مستثمر عربي ثقيل الثروة إلي " أسوا من شرف مفيش".. في إشارة يصعب تجاهلها إلي الدكتور عصام شرف.
ويبدو أن صوت رئيس الحكومة الهادئ الخافت وتعبيرات وجهه الرومانسية وجمله الحالمة جعلت منه تبة ضرب نار لسهام جارحة.. حارقة.. فهو مرة عبدالحليم حافظ.. ومرة "سومة العاشق".. وزاد نائبه العجوز يحيي الجمل الطين بلة عندما وصفه علنا علي الهواء مباشرة.. بـ«البسكوتة».. والوصف لا يحتاج إلي شرح.. فنحن أمام حالة ضعف يجمع عليها القريب والبعيد.. المواطن والبلطجي.. المستثمر والموظف.. ومن لا يري من الغربال.. أعمي.
والضعف ليس في العضلات وإنما في القرارات والتصرفات.. ليس في الشدة وإنما في الرؤية. لقد خاف من مناقشة قانون التصالح مع رجال الأعمال الذين لم يرتكبوا جناية.. وفضل أن يتركه إلي المجلس العسكري.. خاصة أن كل القائمين علي الحكم لم يتراجعوا عن سياسة الاقتصاد الحر.. وتأجيل مثل هذا القانون قد يضاعف من الأزمة الاقتصادية التي تتفاقم يوما بعد يوم.. وربما تصل إلي ما لا نتمناه قبل نهاية العام.
ولم يقرب بتوقيعه قرارا يسمح للشرطة بشراء سيارات في أمس الحاجة إليها بالأمر المباشر وهي صلاحية يمنحها له القانون في الحالات الطارئة.. ولا يهم أن يذهب الأمن المفقود والمطلوب والمأمول إلي جهنم.. مادام المسئول الأول عن السلطة التنفيذية لا يجرؤ علي التصرف بشجاعة.
ويبدو أنه أصيب بمرض الضوء.. فقبل أن يذهب إلي مكان لابد أن يطمئن علي فلاش الكاميرات.. حتي وهو يأكل فول وطعمية وطرشي في مطعم بوسط القاهرة.. فكيف عرفت العدسات بمكانه؟.. هل شمت الرائحة؟.. هل كانت مختبئة في طبق الطحينة أم خرجت من طبق شوربة العدس؟
لكن السؤال الأهم: ما الرسالة التي أراد توصيلها لنا من نشر الخبر؟.. أن نصدق أنه رجل غلبان.. من الشعب الكادح.. يعيش علي البقول.. أم رجل متواضع يجلس وسط الناس.. أم رجل مطمئن.. لا يخاف علي حياته؟
إن تقمص شخصية عمر بن الخطاب في البروباجندا السياسية فقدت صلاحيتها في الدولة المستريحة التي يسعدها ألا يأكل الحكام طعام الشعب وإنما أن يأكل الشعب طعام الحكام.. وهو ما جعلني أتشاءم من خبر الفول والطعمية والباذنجان المقلي.. فلو كانت هذه الأطباق طعام رئيس حكومة ثورية فإن الشعب سيأكل علي يديه الزلط المشوي.
وتكرارا لسيناريو قديم سخيف قرأنا أن ابنه الشاب (يقال إنه يحمل الجنسية الأمريكية) سدد غرامة وقوف في الممنوع.. ليذكرنا بالجمرك الذي دفعه مبارك علي شحنة بلح عجوة.. هدية من السعودية.. أو الرسوم التي سددها السادات في منطقة بورسعيد الحرة عن تليفزيون 12 بوصة أبيض وأسود.
والأهم من الصورة التي حرص علي التقاطها مع أوباما.. هو تصوره لمستقبل بلاده القريب والبعيد.. لم يكن لديه ما يقوله للرئيس الأمريكي عن بكره.. واكتفي بالإشادة بامبارح.. علي خلاف التونسيين الذين جاءوا بخطة كاملة شاملة فرضوها علي قمة الثمانية.. وهو ما نسيه عصام شرف بسبب انشغاله بالصورة التي لابد أنه قد وضعها في أكثر من حجرة في بيته.
ولا أعرف سر سفره المتكرر إلي الخارج تاركا البلاد في هذه الحالة الحرجة.. الصعبة التي عليها.. كيف يطاوعه قلبه بتركها بكل ما فيها ويهنأ له جفن خارجها وينام في فندق؟.. أما قوله بأنه يحسن صورة مصر في الخارج فشيء مثير للأسي.. لا يختلف كثيرا عما كان يقوله مبارك مبررا هروبه من زحام القاهرة وصداعها إلي باريس.
إن الصورة لا تتحسن إلا بتحسن الأصل.. فما الذي تفعله «ماشطة» الميديا في وجه الحكومة «العكر»؟
وبصراحة شديدة.. صورة مصر كانت مشرقة باهرة فور نجاح الثورة.. لكن.. فشل الحكومة في مهامها نفخ غبارا علي الصورة.. ويوما بعد يوم ردمت.. ولم تعد تشغل بال أحد.. ولا تصدقوا كل ما تسمعونه من الزوار.. فهي مجاملات عابرة.. ينسونها فور عودتهم إلي بلادهم.. وامسكوا جرائد العالم وتابعوا قنواته لتروا بأنفسكم مدي الوهم الذي تعيشون فيه. وقد جاء عصام شرف علي أعناق الثوار من ميدان التحرير إلي رئاسة مجلس الوزراء بعد أن رفضوا أحمد شفيق باعتباره ينتمي إلي النظام السابق دون ان ينتبهوا إلي أن عصام شرف نفسه كان عضوا في لجنة السياسات التي يرأسها جمال مبارك.. الوريث الذي قضت الثورة علي أحلامه في اعتلاء عرش مصر.. كما كان وزيرا للنقل لمدة لا تزيد علي شهور.. خرج بعدها من الوزارة حزينا عليها.. ولم يكن خروجه منها بسبب مواقف اتخذها.. أو سياسات أصر عليها.. أو فساد سارع بكشفه.. وإنما لأنه كان يتكلم أكثر مما كان يعمل.. ويتأمل أكثر مما يدير.. ويتحسس أكثر مما يخترق.. ويعجز عن اتخاذ قرار مناسب في وقت خاطف.. وهو نفس ما يفعله الآن.
كان اختياره وزيرا عقب حادث قطار الصعيد الذي احترق بركابه وهم في طريقهم إلي عائلاتهم ليقضوا معها إجازة عيد الأضحي.. لكن.. حوادث القطارات لم تتوقف.. فقد كان مشغولا بالنقل البحري.. لكنه.. لم يستطع إيقاف جريمة ميناء العين السخنة التي بنيت بأموال الشعب المصري ومنحت لشركة يمتلكها أسامة الشريف بحق امتياز لإدارتها لمدة 25 سنة.. لكنه باع الشركة لمواني دبي بأكثر من 700 مليون دولار.. وكان يساهم فيها عمر طنطاوي الصديق الأنتيم لجمال مبارك الذي لم يستطع عصام شرف إيقافه عند حده وهو يتعامل معه.. فليس في قدرته ذلك.
واللافت للنظر أن وزير النقل اللاحق له محمد منصور نجح في إعادة ما دفعته الدولة في بناء الميناء.. كما ألغي شرطا كان في العقد يجبر الحكومة علي الرجوع إلي أسامة الشريف إذا ما فكرت في بناء ميناء آخر علي البحر الأحمر.
فهل من لم يستطع تناول ملف بسيط للنقل البحري يقدر علي تناول كل ملفات الدولة بعد أن أصبح رئيسا لحكومتها؟ وما قاله عن ربط السكك الحديدية بين مصر والسودان كان أمرا مضحكا.. فقد وضع الإنجليز نظامين مختلفين لتسيير القطارات لضمان عدم التوحد بيننا وبينهم.. والوصلة التي تربط بين البلدين تحتاج حسب دراسة الجدوي إلي 500 مليار جنيه.. لكن.. الكلام الذي يلعب علي العواطف ويجيده عصام شرف ليس عليه جمرك. إن عصام الشرف لم يخرج من حكومة الحزب الوطني ــ بعد أن حلف اليمين أمام مبارك ــ من السلطة بسبب خطة رفضت.. أو مواجهة وقعت.. أو جريمة فساد كشفت.. وإنما خرج منها لأنه لم يثبت كفاءة.. أو يغير واقعا.. أو ينفذ ما وعد به أو تكلم عنه.
والحقيقة أن الحكومة السابقة باعتراف وزير ماليته سمير رضوان ــ وكان هو ايضا عضوا في لجنة السياسات وعضوا في مجلس الشعب بالتعيين ــ كانت أفضل حكومة إنجاز اقتصادي.. لكن.. غطي فسادها وغياب البعد الاجتماعي أمام عينيها وتزاوج الثروة والسلطة فيها علي كل ما حققت. بل إن اقتراح سمير رضوان بزيادة الضريبة بنسبة خمسة في المائة سبق أن تحدث عنه رجل صناعة معروف مثل محمد فريد خميس الذي طالب بضريبة تصاعدية تصل إلي ثلاثين في المائة.. فالضريبة علي حد قوله أمام مجلس الشوري هي آخر ما ينظر إليه المستثمر الخارجي.. ربما كان السعر الرخيص للأرض بالمرافق هو العنصر المنشط له.. فقد وصل سعر المتر إلي 500 جنيه.. وكأن الدولة تطلب كباريهات لا مصانع.
وركز محمد فريد خميس علي العنصر البشري.. العامل الفني المحترف.. وهو عملة نادرة في مصر.. مما ضاعف من عدد العمال الأجانب لتصل نسبتهم إلي 13 في المائة.
وأضاف إليه زيادة الأعباء علي المستثمرين بتحميلهم تكاليف توصيل الكهرباء.. فلا يمكن لمصنع تكلفته 10 ملايين مثلا أن نضيف عليه مليوني جنيه لمد الكابلات إليه.. ويتكرر الشيء نفسه مع شبكات الغاز الطبيعي التي تفرض مبالغ تصل أحيانا إلي 15 مليون جنيه علي بعض المصانع لتصل إليها.
علي أنه مهما كانت الاقتراحات فيجب دراستها ــ كما كان يحدث في السابق ــ قبل التورط في إعلانها ثم العدول عنها كما فعل وزير المالية مع الضريبة علي الأرباح الرأسمالية.. فما إن نطق بها حتي لحسها فورا.. وهو ما يسبب عدم ثقة تنتهي إلي أن يكون رصيد الاستثمار الأجنبي صفرا كما هو الآن.
وأخطر ما في وزراء هذه الحكومة ــ بجانب خوفهم من اتخاذ قرار ــ أن كلاً منهم في اتجاه.. إخوان.. يسار.. وسط.. وبلا هوية.. جزر معزولة.. بلا طرق أو كباري تربط بينهم.. بلا رئيس يسمعون كلامه.. أو ينفذون كلامه.. لسبب بسيط أنه يتركهم يهيمون علي وجوههم بلا تدخل.. لأنه لا يعرف ما الذي يريده منهم.. وكل ما يشغله أن يغازل شباب الثورة.. وهم بالمئات إن لم يكونوا بالملايين.. وكل واحد فيهم له رأي.. و«المركب التي لها أكثر من ريس تغرق» فما بالنا بمليون ريس.
ونحن مع الثورة.. لكن.. الثورة ليست مع نفسها.. فكل فريق مختلف مع الآخر.. وكل ائتلاف ينفي الشرعية عن غيره من الائتلافات.. وليست هناك رغبة في عقاب الخارجين عن القانون.. وأخشي أن تتحول عدم الرغبة بعد فترة إلي عدم قدرة.
والفشل الفادح للحكومة أنها عاجزة عن خلق مبادرات إيجابية تغطي علي كل التصرفات السلبية المتتالية.. إن السياحة التي ضربت بعد حرق كنيسة إمبابة كان يجب أن تعالج بفتح المرحلة الأولي من طريق الكباش ــ أعظم اكتشاف أثري حتي الآن ــ وهو جاهز لدعوة حكام العالم للسير فيه.. هذا علي سبيل المثال.. فكرة إيجابية تلغي تأثير التصرفات السلبية.. فنحن نعرف ما لا نريد.. لكننا لا نعرف ما نريد.
إن الذين حملوا عصام شرف علي الأعناق من ميدان التحرير إلي رئاسة الحكومة يمكن أن يحملوه علي الأكتاف منها إلي ترب الغفير.. فكل شيء أصبح محتملا في مصر.


عادل حمودة

ليست هناك تعليقات: