الثلاثاء، 26 أبريل 2011

الفتنة الطائفية هي الطريق لتخريب مصر


منذ 25 يناير وحتى كتابة هذه السطور رصدت أكثر من 50 حادثة اعتداء على الأقباط، وسوف استمر فى الرصد حتى 25 ابريل 2011 لتكتمل ورقتى البحثية عن " أوضاع الأقباط فى ظل ثورة 25 يناير" بعد ثلاثة أشهر من اندلاعها كمرحلة تقييم أولى، وبالطبع فأن هناك عوامل كثيرة سوف نأخذها فى الحسبان عند تحليل نتائج هذه الحوادث منها، أن الفترات الأولى فى عمر الثورات تكون فى معظم الاحيان فترات اضطراب تقع على المجتمع باسره وبالطبع تحصد الأقليات الجزء الأكبر من هذه الحوادث، وثانيا أن السنتين السابقتين للثورة كانت معدلات الحوادث التى تقع على الأقباط متزايدة بشكل واضح وتورطت أجهزة الدولة فيها بشكل لم يعد خافيا على أحد وبلغت قمة مأسيها فى الحادث المروع الذى وقع على كنيسة القديسين قبل اندلاع الثورة باسابيع، والذى أقر السيد عمر سليمان رئيس المخابرات السابق فى التحقيقات معه بأن امن الدولة كان وراء هذا الحادث، وثالثا أن توقعاتى الشخصية لما قد يحدث للأقباط فى ظل الفوضى كانت أكبر بكثير مما وقع عليهم بالفعل، ورابعا أن مناطق الإضطرابات الطائفية هى هى تقريبا لم تتغير ومعظم أشكال الإعتداءات لم تتغير أيضا.


ورغم هذه الاعتبارات فأن هناك أمور مزعجة ما كنا نتوقعها فى ظل عهد جديد وثورة جديدة.


1-أن معاجة المسائل المتعلقة بالوحدة الوطنية كما هى لم تتغير وكأننا فى عهد مبارك وجهاز مباحث امن الدولة، فهذا التهاون فى تطبيق القانون وأستمرار الجلسات العرفية هو ضرب للثورة فى مقتل.


2-أن روح ميدان التحرير كانت نقلة نوعية مميزة فى فهم المصريين للتحديات الحقيقية وبعدهم عن الملفات الطائفية، والتى هى صناعة النظام السابق واجهزته الأمنية، ولكن هذه الروح لم تنتقل من ميدان التحرير إلى الشارع المصرى، وحدثت أنتكاسة بشكل سريع عن هذه الروح المصرية الوطنية الوثابة، ولم نرى مظاهرة واحدة لهؤلاء الثوار ضد هذا التخريب المتعمد للعلاقة بين المسلمين والأقباط.


3-حدوث اختلاف نوعى عما سبق فى بعض هذه الحوادث مثل قطع أذن قبطى فى قنا وتطبيق الحدود على آخر ورميه من الدور الرابع فى قنا أيضا وقد مات على الفور من جراء ذلك ، والتهديد باقتحام الأديرة، والغريب أن يتم كل هذا فى غياب تام للدولة وللقانون.


4-أن الاحتجاج المجتمعى على هذه الحوادث ما زال محدودا ولم يرتقى لمستوى اللحظة الثورية ولا إلى مستوى الجرائم، وخاصة فى ظل الحريات الواسعة المتاحة الآن.


5-أن المجتمع المصرى ما زال يعيش تحت ما يسمى " ثقافة أمن الدولة"، وهى ثقافة غرسها هذا الجهاز فى المصريين ومفادها أن المسلم فى امكانه الاعتداء على القبطى بدون أى عقاب قانونى، مما شجع حتى البسطاء للإعتداء على جيرانهم.. وما زالت هذه الثقافة اللعينة مستمرة حتى الان.


6-أن هناك تيارا سلفيا جديدا تحول من السلفية الكلاسيكية إلى السلفية الجهادية وبدأ على الفور يطبق هذا التحول على شركاء الوطن من الأقباط.


7-أن ما حدث بشأن محافظ قنا،بصرف النظر عن رأى البعض فيه، هو أنتقال لإستبعاد الأقباط من المناصب السياسية من أجهزة الأمن وأجهزة الحكم إلى سلطة الشارع المتطرف، وسلوك الأول هو الذى شجع الشارع على هذا التطرف.


8-أن سياسات التوازانات المقيتة السائدة منذ عهد السادات مستمرة للأسف مما يعنى غياب العدالة ودولة القانون، فالقبض على الجانى والمجنى عليه لفرض شروط الصلح على المظلوم هو شئ من مخلفات عصور الظلم والظلمات.


9-ومما يؤسف له كذلك تعامل الشرطة العسكرية بفظاظة وغلظة وعنف مع المظاهرات القبطية دون سواها كما حدث فى شبرا وماسبيرو، ووصل الأمر لدماء غزيرة سالت فى المقطم، مع القبض على المتظاهرين الأقباط دون غيرهم، وهى أمور تندرج تحت مسميات العنصرية البغيضة.


وهذا يقودنا إلى الفكرة الرئيسية لهذا المقال، وهى أن هناك دولا محددة فى المنطقة تريد وقف تيار الثورات العربية عن طريق تدفقات مالية هائلة لبعض الفرق المتطرفة لعرقلة وصول موجة هذه الثورات إلى ارأضيها.أننى لا ابالغ إذا قلت أن مليارات الدولارات بدأت تتدفق على مصر لدعم تيارات متطرفة بعينها لإعاقة نمو الدولة المصرية كدولة مدنية ديموقراطية حديثة، وهذه الدول تعلم أن نقطة الضعف فى مصر هى العلاقة بين المسلمين والأقباط، ولهذا بدأت تغذى كل ما من شأنه تردى هذه العلاقة.


ولهذا استخدمت فى هذه المقالة كلمة " فتنة" لأول مرة فى مقالاتى، لأنها فتنة أى وقيعة بين طرفى الأمة عن طريق طرف ثالث يصرف بسخاء لتفجير التجربة المصرية من الداخل.


أن مصر امام مفترف طرق ،وكل القوى السياسية والمجتمعية ،سواء التى تحكم أو التى تتطلع للمشاركة فى الحكم، تقع عليها المسئولية الرئيسية فيما يحدث، فهل يعقل أن تقطع أذن شخص ويقذف آخر من فوق السطوح بدون عقاب أو حتى تحقيق فى ذلك فى حين يسجن شاب ثلاث سنوات لأنه كتب مقالة على مدونته الخاصة... نحن لسنا فى افغانستان ولن نقبل الممارسات الطالبانية فى دولة بعراقة وتاريخ مصر وتنوعها الدينى.


من يوافق على ما يحدث هو مشارك فى هذا المخطط القادم من الصحراء لتخريب مصر وتفجيرها من داخلها... ومن له أذنان للسمع فليسمع ويعى ويفهم ويتدبر،


فالتاريخ لن يرحم من يشارك أو يسهل أو يتواطئ أويتراخى أويساعد مثل هذه المخططات الجهنمية.


ختام القول:


" إن قاع جهنم محجوز لأولئك الذين يقفون على الحياد عندما تتعرض القيم للخطر"


دانتى





ليست هناك تعليقات: