الثلاثاء، 4 يوليو 2017

ثروة مصر الحقيقية هي أبنائها ولكنها الثروة المهدره والمهانه والمذلوله في كل العصور ولا تقدير لها إلا خارج مصر



تلجأ الأمم فى العصور الصعبة ولحظات الضعف الشديد إلى البحث عن قيم قديمة أو شخصيات أنجزت أعمالاً مبهرة ترفع الروح المعنوية لشعبها. 
أتحدث اليوم عن أحد كبار المبدعين المصريين الفنان القدير الرسام محمود سعيد الذى احتفلت به مصر والعالم بعد صدور كتاب جامع وموثق لجميع أعماله فى جزءين. الكتاب طبع فى أهم دار نشر فى العالم (Skira) لنشر كتب الفنانين العالميين وثمنه بعد التخفيض 200 دولار. وقد قام بالجهد الأكبر فى جمع اللوحات الدكتور حسام رشوان الأستاذ بهندسة الإسكندرية والسيدة فاليرى هيت، تم جمع اللوحات وتصويرها بتقنية عالية من متاحف مصر والعالم ومن بيوت المقتنين فى جميع أنحاء العالم من الولايات المتحدة وكندا إلى جميع دول أوروبا وروسيا ودول الخليج ومن مقر رئاسة الوزراء المصرية ووزارة الخارجية ومطار القاهرة وسفارات مصر فى الولايات المتحدة ومقر مندوب مصر فى الأمم المتحدة وكذلك عدة سفارات فى أوروبا. وقد بذلا جهداً غير عادى فى البحث عن اللوحات فى كل مكان، واستمر إقناع البعض بتصوير مقتنياتهم مدة عامين

الجزء الأول من الكتاب يحوى كل لوحاته التى تم التوصل إليها. والجزء الثانى من الكتاب يحتوى على الأعمال التحضيرية للوحات وكذلك الاسكتشات والخطابات الخاصة به.





وتم الاحتفال بنشر الكتاب فى مكتبة الإسكندرية فى ذكرى ميلاد محمود سعيد المائة والعشرين، ثم احتفل بالكتاب مرة أخرى فى مكتبة القاهرة الكبرى بالزمالك وسط حضور كبير وتم عرض أهم اللوحات على شاشة عرض مع شرح صعوبة الحصول على بعضها.





محمود سعيد سكندرى أصيل ولد فى الإسكندرية حيث عاش معظم عمره وتوفى فيها فى 8 إبريل عام 1964. وولد الفنان وفى فمه ملعقة من ذهب، أبوه محمود سعيد باشا كان رئيساً لوزراء مصر لفترة قصيرة وتربى فى قصر كبير بحديقة جميلة، وقد تحول القصر الآن إلى متحف محمود سعيد الذى ضم بالإضافة إلى أعماله دورا كاملا للفنانين أدهم وسيف وانلى، وهما من أهم فنانى الإسكندرية، وفى البدروم هناك مجموعة ضخمة من الأعمال لفنانى مصر والكثير منهم من الإسكندرية.





محمود سعيد ارتبط بالمصاهرة مع العائلة الملكية المصرية فهو خال الملكة فريدة التى أنجبت ثلاث بنات من الملك فاروق وكان اسمها صافيناز ذو الفقار قبل الزواج. تزوج محمود سعيد وأنجب ابنة هاجرت وعاشت فى أمريكا. حصل محمود سعيد على ليسانس الحقوق الفرنسى فى عام 1919 عام الثورة المصرية الكبرى التى اعتبر البعض أنها فشلت لأنها لم تحدث تغييرا كبيرا فوريا ولكنها أحدثت تغييرات هامة بعد سنوات قليلة، منها إنجاز أول دستور حديث لمصر وبرلمان وإضعاف النفوذ الإنجليزى، وهو نفس ما حدث لثورة 25 يناير التى تعتبر قد فشلت ولكنها فى الحقيقة قد أحدثت تغييراً هائلاً فى الشخصية المصرى سوف يؤدى إلى تغيير جذرى فى كل مصر خلال سنوات قليلة.





بعد انتهاء الثورة سافر محمود سعيد إلى باريس والتحق بأكاديميات فنية وصادق فنانين كبار وتأثر كثيراً بالمتاحف الفرنسية وبمخالطته وصداقته لكثير من الفنانين المتواجدين فى باريس، حتى عاد إلى مصر وأصر والده أن يلتحق بالنيابة ثم أصبح قاضيا وانتقل إلى المحاكم المختلطة وفى عمر الخمسين قدم استقالته وتفرغ للفن آخر سبعة عشرة عاماً من عمره.





مارس الفنان الكبير الرسم متأثراً بالمدرسة التأثيرية وبالفنانين الفرنسيين الكبار، وبدأت طريقته فى فترة الخمسينيات تتغير ورسم عدداً كبيراً من أعمال متأثرة بالبيئة المصرية فكانت له مجموعة من الموديلات من السيدات اللاتى عشن فى الأحياء الشعبية، مثل بحرى والأنفوشى، ورسم أعمالاً رائعة منها لوحته الشهيرة بنات بحرى وهن يلبسن البرقع والملاية اللف. وانتقل إلى رسم الحياة الشعبية للمصريين فرسم الدراويش وبنت البلد والشادوف وبائع العرقسوس والحمار ثم صور مجموعة من سيدات الطبقة الراقية مثل ذات الرداء الأزرق وذات الجدائل الذهبية. ورسم صورة ضخمة لحفل افتتاح قناة السويس. وقام برسم أعداد هائلة من البورتريهات لشخصيات هامة.





واشترك محمود سعيد فى معارض مصرية ودولية كثيرة منها معرض باريس الدولى عام 1937 وكذلك اشترك عدة مرات فى البينالى. وحصل على ميدالية الشرف الذهبية فى معرض باريس عام 1937 وحصل على وسام الدولة الفرنسى وكان أول فنان يحصل على جائزة الدولة التقديرية عام 1960 وتسلم الجائزة من الرئيس عبدالناصر.





هناك كتب مصرية كثيرة عنه أهمها كتاب عصمت داوستاشى وهو عمل متميز به عدد كبير من لوحاته. وكانت أعماله تباع بمئات الجنيهات فقط حتى السبعينيات من القرن الماضى والآن تصل إلى دور العرض والبيع العالمية منها كريستى وساذبى وبيعت لوحة الدراويش لمحمود سعيد بمبلغ 2.4 مليون دولار فى عام 2010 وقد رسمت اللوحة عام 1935.





هذا الفنان العظيم الذى احتفل به المصريون وكرمته الدولة وتوجد لوحاته فى كل أنحاء العالم وتم تكريمه بنشر هذا الكتاب الموسوعى عنه، وهو أمر لم يحدث لأى فنان خارج أوروبا من قبل.

ليست هناك تعليقات: