السبت، 31 أغسطس 2013

الفريق صدقى صبحى


حصلت «الوطن» على النص الكامل لرسالة الماجستير، التى أعدها الفريق صدقى صبحى، رئيس أركان حرب القوات المسلحة المصرية الجديد، ونال عنها ماجستير الدراسات الاستراتيجية فى كلية الحرب الأمريكية عام 2005، وكان وقتها يحمل رتبة عميد. وتحمل الرسالة عنوان «الوجود العسكرى الأمريكى فى الشرق الأوسط.. القضايا والآفاق»، وهو ما جعل الدراسة تحظى باهتمام واسع فى الصحافة الأجنبية للتعرف على نظرة القادة المصريين الجدد إلى الولايات المتحدة.
صورة من غلاف الدراسة التي اعدها رئيس الاركان الجديد في امريكا
الدراسة مقسمة إلى أجزاء تتناول أهداف استراتيجية الأمن القومى الأمريكى فى الشرق الأوسط وكيفية تحقيقها، والعلاقة بين الإسلام والولايات المتحدة والغرب فى الشرق الأوسط، وطبيعة الوجود العسكرى الأمريكى فى المنطقة ومدى الاحتياج إليه، والجدول الزمنى لانسحاب القوات الأمريكية من المنطقة، وكيفية تحقيق أهداف الاستراتيجية الأمريكية بوسائل غير عسكرية، إلى جانب تفاعلات الصراع الفلسطينى - الإسرائيلى وبناء الثقة، لكن الدراسة تكشف عن جوانب أخرى، من بينها رؤية جيل جديد من العسكريين المصريين لظاهرة التطرف الإسلامى وعلاقته بالوجود العسكرى الأمريكى المباشر فى المنطقة، وتحوله إلى صراع مسلح ضد الولايات المتحدة فى الشرق الأوسط وحول العالم، بل إن مسار الأحداث واختيارات السياسة الأمريكية فى المنطقة يوحى بأن الرؤى التى تقدمها الدراسة كانت موضع تقدير من بعض صناع القرار فى السنوات التالية لإصدارها، ومن أبرز النقاط التى توصلت إليها الدراسة أن عدم الاستقرار والصراع الدائم فى منطقة الشرق الأوسط يعدان بمثابة المغناطيس الذى يجذب العناصر الإسلامية المتطرفة.. لهذه الأسباب اخترنا تقديم عرض موسع للرسالة ونشره لقارئ «الوطن».
الصراع فى الشرق الأوسط مغناطيس يجذب الإسلاميين المتطرفين.. والسياسات الأمريكية فى المنطقة تخلق حركات مسلحة
تؤكد الدراسة أنه «لا يمكن فصل التحديات والآفاق المستقبلية للوجود العسكرى الأمريكى فى الشرق الأوسط عموما والخليج بشكل خاص عن الاستراتيجية الأمريكية الشاملة للأمن القومى فى المنطقة، ومن الخطأ أن تحدد هذه الاستراتيجية القضايا الرئيسية وفقا للإطار الجغرافى الضيق لمنطقة الخليج وموارده النفطية، أو وفقا للحدود الضيقة التى عفى عليها الزمن لمفاهيم «الاحتواء»؛ حيث إن التحديات الأمنية لمصالح الولايات المتحدة فى الشرق الأوسط والخليج، بما فيها العراق، مرتبطة بالأسس الأيديولوجية التى تقوم عليها هذه التحديات، ولا يمكن التوصل إلى حلول للتحديات الأمنية -بالضرورة- فى بغداد أو فى منطقة الخليج نفسها، وإنما من خلال سعى الولايات المتحدة لتسوية دائمة للصراع الفلسطينى - الإسرائيلى، وبالطبع تستطيع الولايات المتحدة مواصلة استراتيجيتها الحالية فى الخليج، التى تستند إلى حد كبير على الوجود العسكرى، لكن هذه الاستراتيجية لن تؤدى إلى حل المشاكل السياسية الناجمة عن أسباب أيديولوجية ودينية وثقافية، وستواصل الولايات المتحدة وشركاؤها الانخراط فى صراع عسكرى طويل الأمد دون أهداف سياسية وأيديولوجية واضحة، لكن التعاون الدولى الحقيقى ومعالجة المخاوف الأيديولوجية أو الدينية والثقافية فى العالم العربى والإسلامى يمكنهما تغيير المسار الحالى للأحداث بنجاح».
وخلصت الدراسة إلى أن «نتائج وتصورات السياسات الأمريكية فى العالمين العربى والإسلامى تؤدى إلى خلق حركات مسلحة لا يمكن ببساطة اعتبارها منظمات إرهابية غير عقلانية، ومن الخطأ توصيف تنظيم القاعدة بهذه الطريقة، وبدلا من ذلك ينبغى الاعتراف بأن تنظيم القاعدة أصبح حركة تمرد دولية تحتاج مكافحتها إلى مزيج مناسب من الوسائل الأيديولوجية والسياسية والاقتصادية والثقافية والعسكرية، والوجود العسكرى الأمريكى فى منطقة الشرق الأوسط والخليج مجرد أداة واحدة فى هذه الحملة، ومن الخطأ استخدامه بطريقة تؤدى إلى تعزيز المعتقدات الأيديولوجية والتصورات التى يؤمن بها أولئك الذين يعارضون هذا الوجود فى المقام الأول، وإذا كان هدف الولايات المتحدة هو إحداث تغيير اجتماعى سياسى فى الشرق الأوسط من خلال إقامة أنظمة ديمقراطية، فلا يمكن تحقيق هذا الهدف من خلال ممارسة القوة من جانب القوات العسكرية الأمريكية فى المنطقة؛ لذلك ينبغى أن يكون الانسحاب النهائى للقوات العسكرية الأمريكية من منطقة الشرق الأوسط والخليج هدفا للاستراتيجية الأمريكية فى المنطقة، وأن تواصل الولايات المتحدة السعى لتحقيق أهدافها الاستراتيجية من خلال الوسائل الاجتماعية - الاقتصادية والتطبيق العادل للقانون الدولى».
ينبغى الاعتراف بأن «القاعدة» حركة تمرد دولية.. تحتاج مقاومتها مزيجاً من الوسائل الأيديولوجية والسياسية والاقتصادية والثقافية والعسكرية
وفيما اعتبرته الدراسة «نوعا من سوء الفهم بين الولايات المتحدة والعرب»، أشارت إلى أن هناك قصورا فى الفهم والتواصل بين صناع السياسة الخارجية فى الإدارات الأمريكية المتتابعة والأنظمة السياسية والمجتمعات والثقافات فى الدول العربية فى الشرق الأوسط، وقد تفاقمت تلك الفجوة فى التفاهم والتواصل منذ هجمات 11 سبتمبر عام 2001 ضد الولايات المتحدة، وما تلاها من التدخلات العسكرية الأمريكية فى أفغانستان والعراق، ويمكن إرجاع هذه الفجوة إلى أسباب محددة لها تأثير فى التصورات الشائعة فى الولايات المتحدة المتعلقة بالشرق الأوسط.
أول تلك الأسباب أن صناع القرار السياسى فى الولايات المتحدة يعملون وفق نظام ديمقراطى علمانى يفصل الدين عن السياسة بشكل صارم طبقا للدستور الأمريكى، فى حين أن الدين الإسلامى يرتبط بقوة -ولكن بدرجات متفاوتة- بسياسة عمل معظم الحكومات العربية ومجتمعاتها، ورغم أن العديد من الحكومات العربية تتخذ من القوانين المدنية أساسا لعملها ما زال تأثير الدين الإسلامى قويا ومتوازيا على المؤسسات الحكومية، وثانيا أن الأنظمة العربية عموما لا تعمل وفقا لمبادئ وإجراءات الحكم الديمقراطى المقبولة منذ زمن طويل فى الولايات المتحدة والغرب.
وعن مستقبل الوجود العسكرى المكثف فى منطقة الخليج يرى صاحب الدراسة أن «أهداف الاستراتيجية الأمريكية لاحتواء إيران لا تعتمد بالضرورة على وجود أعداد كبيرة من القوات البرية الأمريكية فى المنطقة، وبافتراض أن العراق سيصبح طبيعيا، يمكن أن يغادر عدد كبير من القوات البرية الأمريكية الشرق الأوسط والخليج، وأن يعود التمركز العسكرى للقوات الأمريكية فى الشرق الأوسط والخليج إلى حالة مماثلة كتلك التى أعقبت حرب الخليج 1990-1991، وعلى سبيل المثال، يمكن أن تبقى قوة بحجم لواء ميكانيكى مدرع من الجيش الأمريكى فى إحدى ممالك الخليج الحليفة للولايات المتحدة، كالكويت أو البحرين، لتكون نقطة ارتكاز فى حالة قيام إيران بمغامرة عسكرية فى منطقة الخليج، حيث إن مستوى الوجود العسكرى الأمريكى فى المنطقة هو الذى دفع بتأثيرات أيديولوجية مزلزلة، أدت بدورها إلى صعود الإسلام الراديكالى والأنشطة الإرهابية للقاعدة ولذلك ينبغى أن يكون التركيز على الانسحاب الكامل للقوات البرية الأمريكية من المنطقة».
واقترحت الدراسة «التركيز على وحدات صغيرة من القوات الخاصة تقوم بدور مزدوج من جمع المعلومات المخابراتية وعمليات مكافحة التمرد والإرهاب، مع الاعتماد على دعم جوى وبحرى ووحدات عسكرية أكبر ذات قدرة على الحركة كلما دعت الحاجة إلى ذلك، مثل عمليات القوات الخاصة الأمريكية ووكالة المخابرات المركزية الأمريكية فى أفغانستان عقب الهجوم الإرهابى على الولايات المتحدة فى 11 سبتمبر 2001 مباشرة؛ فالوجود الكثيف للوحدات العسكرية الأمريكية فى الشرق الأوسط يواجه مخاطر أيديولوجية وسياسية، فمن شبه المؤكد أن المجتمعات العربية تنظر بعين الريبة للوجود العسكرى الأمريكى والعمليات التى تقوم بها وحدات الجيش الأمريكى فى الشرق الأوسط، إن لم تكن تشعر بعداء صريح تجاهها، والافتقاد إلى الشفافية المرتبط بوجود القوات الأمريكية والعمليات التى تقوم بها تشكيلات الوحدات الخاصة يعتبرها الشارع العربى ووسائل الإعلام فى الشرق الأوسط تقويضا للعملية الديمقراطية، ومن المثير للاهتمام أن مثل هذه الشكوك تستند إلى وقائع؛ فوزارة الدفاع الأمريكية تراهن على دور أكبر للعمليات المخابراتية شبه العسكرية فى الدول الأجنبية، وهى عمليات لا تخضع لإشراف الكونجرس الأمريكى، ولا تتم بالتنسيق مع سفراء الولايات المتحدة أو مديرى محطات المخابرات المركزية فى تلك الدول».
وتشير الدراسة إلى أن «استراتيجية الولايات المتحدة الإقليمية فى الشرق الأوسط تحتاج إلى إعادة تعريف، لأنها لا يمكن أن تستمر ببساطة منصبة على قضايا الأمن القومى لإسرائيل والتأمين العسكرى لإمدادات واحتياطيات النفط فى الشرق الأوسط، وإعادة التعريف يجب أن تشمل التعامل المباشر والبناء مع جميع الأطراف الفاعلة فى الشرق الأوسط، ويجب أن تتوسع لتشمل الجهات والجماعات غير الحكومية الفاعلة، وعلى سبيل المثال: لقد أدت عدم رغبة الولايات المتحدة فى إجراء اتصال ومفاوضات مباشرة مع الفلسطينيين فى ستينات وسبعينات القرن الماضى -ونظرة واشنطن إلى منظمة التحرير الفلسطينية وياسر عرفات باعتبارهم «إرهابيين»- إلى تأخير بداية عملية السلام الفلسطينية - الإسرائيلية، وبالمثل لم نشهد إلا مؤخرا تحولا مهما فى سياسات إدارة بوش نحو التعامل غير المباشر -وإن كان بناء- مع إيران، بينما ضاعت من قبل فرص للمفاوضات المباشرة».
الاستراتيجية الأمريكية عليها أن تتجاوز الأمن القومى لإسرائيل لتشمل التعامل المباشر والبنّاء مع جميع الأطراف الفاعلة
ويلاحظ كاتب الدراسة أن «تأثير الاتحاد الأوروبى قد حل محل التأثير الاجتماعى - الاقتصادى السابق للولايات المتحدة فى الشرق الأوسط؛ حيث تحتوى اتفاقيات الشراكة الأورومتوسطية مع الدول العربية وإسرائيل على بنود ملموسة تؤثر تدريجيا وماديا على تطبيق حماية فعلية لحقوق الإنسان، ومعايير التحرير الاقتصادى أكثر بكثير من تأثير الخطاب الأمريكى عن نشر الديمقراطية فى المجتمعات العربية، ولذلك ليس من المستغرب أن بعض السياسيين والأكاديميين الفلسطينيين والإسرائيليين البارزين باتوا يطرحون فكرة الخروج من مشروع الدولة الفلسطينية لصالح اتحاد فيدرالى فلسطينى - إسرائيلى يسعى لاكتساب عضوية الاتحاد الأوروبى».
أحد انفجارات العاصمة العراقية بغداد
ويرى الكاتب ضرورة الجمع بين التحرير الاقتصادى والسياسى فى إطار نشر الديمقراطية فى المنطقة العربية، فيشير إلى أن «أولوية الولايات المتحدة لتنفيذ تحول ديمقراطى سلمى فى الشرق الأوسط يجب أن تترافق مع مبادرات اجتماعية واقتصادية قوية وممولة بشكل جيد لتشجيع تحرير سياسى واقتصادى متواز.. فى كثير من الأحيان يفشل صناع السياسة الأمريكية فى تناول هذه القضية؛ حيث إن التحرير السياسى يهدد المصالح الاقتصادية والتجارية للنخب الحاكمة فى مختلف الدول العربية، وهذه المصالح تتجسد فى كثير من الأحيان فى التدخل المؤسسى للحكومة فى الاقتصادات المحلية، بالإضافة إلى أن الفساد المؤسسى فى هذه الدول يتم تقبله باعتباره أحد تكاليف ممارسة الأعمال التجارية، وهذه المعايير المؤسسية لا تعجز فقط عن رفع مستوى المعيشة وتوفير الوظائف فى هذه المجتمعات، بل إنها توفر بيئة حاضنة لتجنيد أنصار الحركات الإسلامية المتشددة».
وعن تفاعلات الصراع الفلسطينى - الإسرائيلى يرى الباحث أن «مشاعر العداء والتصورات السلبية لدى شعوب المنطقة بسبب العلاقة الاستراتيجية المتفردة وأحادية الجانب للولايات المتحدة مع إسرائيل تجسد أكثر من أى شىء آخر الصراع الأيديولوجى الذى ينبغى أن تتغلب عليه الولايات المتحدة فى الشرق الأوسط، وحصول إسرائيل على المساعدات العسكرية الأمريكية دون أى شروط أو قيود سياسية يمثل تحديا فريدا من نوعه لمصداقية السياسة الخارجية الأمريكية فى الشرق الأوسط، ورغم أن الولايات المتحدة هى الجهة المانحة لهذه المساعدات العسكرية الضخمة لم تستخدم الولايات المتحدة هذه المساعدات كأداة للتأثير فى إدارة السياسة الإسرائيلية لتسوية الأزمات التى تهدد السلم الدولى والاستقرار فى الشرق الأوسط».
وأوصى الباحث بأن «تبنى استراتيجية أمريكية جديدة تركز على تطبيق مبادئ العدالة والقانون الدولى فى الصراع الفلسطينى - الإسرائيلى وقضايا الشرق الأوسط الأخرى، ما من شأنه أن يؤدى إلى تغيير دراماتيكى فى مواقف الشعوب العربية تجاه الولايات المتحدة، وعلى سبيل المثال، فى النقاش الذى يتركز حاليا حول إمكانية استخدام البرنامج النووى السلمى لإيران فى تطوير أسلحة نووية سرا تمتنع الولايات المتحدة عن مناقشة امتلاك إسرائيل لترسانة نووية، لكن الاستراتيجية الجديدة وتنفيذها الملموس سيكونان سلاحا فعالا فى حرب الأفكار الفاشلة التى تشنها الولايات المتحدة حاليا فى أوساط السكان المسلمين فى الشرق الأوسط (الشارع العربى)، وانتشار تصور شعبى عن أن الولايات المتحدة تتمسك بالفعل بمبادئ العدالة والقانون الدولى لن يقوض فقط الأساس الأيديولوجى للجماعات الإسلامية المتطرفة مثل تنظيم القاعدة، بل سيعزز أيضا التعاون مع استراتيجية مكافحة الإرهاب التى تشنها الولايات المتحدة والحكومات العربية، وفى ظل هذه الظروف، سيصبح وجود القوات العسكرية الأمريكية فى الشرق الأوسط لا لزوم له».
وتنتقد الدراسة «تصريحات الإدارة الأمريكية الحالية (إدارة بوش وقتها) حول (مسيرة الديمقراطية) فى الشرق الأوسط باعتبارها تتناقض مع المصالح الاستراتيجية الأمريكية فيما يتعلق باستقرار المنطقة؛ فعلى سبيل المثال عندما شرعت الجزائر فى تنفيذ إصلاحات ديمقراطية وإجراء انتخابات تعددية فى عامى 1990 و1991، وفاز حزب (الجبهة الإسلامية للإنقاذ) الداعى لتطبيق الشريعة الإسلامية فى الانتخابات، قام الجيش الجزائرى بانقلاب لتقويض الانتصار السياسى الشرعى للإسلام المتطرف، وانزلقت الجزائر فى حرب أهلية فى الفترة بين عامى 1992 و1999 راح ضحيتها 150 ألف مواطن، وتسببت فى دمار البنية التحتية للبلاد وخسائر قاربت على مليارى دولار، وبالنظر إلى المثال الجزائرى، والانتماء الدينى للمسلمين الشيعة فى العراق (الذين يشكلون غالبية 60٪ من السكان) والشيعة الإيرانيين، لا يتوقع كثير من الخبراء أن تلتزم الأغلبية الشيعية فى العراق بمبادئ الديمقراطية الغربية التقليدية وتقاسم السلطة السياسية مع السنة والأكراد فى إقليم كردستان بشمال العراق».
وتتابع: «لقد أدى التدخل العسكرى للولايات المتحدة وحلفائها فى العراق -من وجهة نظر كاتب الدراسة- إلى زيادة الارتباط بالأفكار الدينية والأيديولوجية والثقافية والعرقية للمتطرفين دينيا، حتى إن أسامة بن لادن نفسه وصف هذا التدخل بأنه هدية لتنظيم القاعدة، وهذه الأيديولوجية وما يتبعها من التطرف الإسلامى فى الشرق الأوسط تم تصنيفها تاريخيا على أنها جزء من صراع الدول العربية ضد هيمنة القوى الاستعمارية السابقة مثل بريطانيا وفرنسا وإيطاليا، وقد دعمت الولايات المتحدة خلال الحرب الباردة كجزء من سياسة احتواء الإسلاميين فى دول مثل السعودية، وأدى ذلك إلى انتشار تفسيرات أكثر تطرفا للدين ومنها الوهابية، وكانت الولايات المتحدة والمملكة السعودية بالتعاون مع باكستان هم الداعمين الرئيسيين لمجموعات المجاهدين والمقاتلين العرب بما فى ذلك أسامة بن لادن، الذين تطوعوا لقتال قوات الاتحاد السوفيتى بعد غزوه أفغانستان خلال الثمانينات، وعقب انسحاب القوات السوفيتية من أفغانستان، أصبح هؤلاء المجاهدون نواة لتنظيم القاعدة الذى تشكل فى العديد من دول الشرق الأوسط، فى حين انحدرت أفغانستان تحت حكم طالبان الذى وفر ملاذا آمنا وقاعدة لعمليات تنظيم القاعدة».
ورصدت الدراسة تطور الحركات الإسلامية المسلحة خلال التسعينات «حيث اعتبر المجاهدون العرب السابقون فى أفغانستان وتنظيم القاعدة الأنظمة العربية الحليفة للولايات المتحدة أنظمة غير شرعية، وقاموا بخطوات ملموسة لإسقاطها بالقوة، واضطرت مصر لخوض حرب ناجحة -وإن كانت مكلفة وطويلة- ضد متطرفين إسلاميين خلال التسعينات، لكن الولايات المتحدة لم تعترف بأن الحركات الإسلامية المتطرفة فى الشرق الأوسط تستطيع تطوير نفسها وتنفيذ أجنداتها الاستراتيجية التى عارضت بقوة نفوذ الولايات المتحدة فى المنطقة كما عارضت العلاقة الاستراتيجية بين الولايات المتحدة وإسرائيل، وبالمثل فإن دعم إسرائيل لقيام حركات إسلامية بهدف مواجهة تأثير منظمة التحرير الفلسطينية العلمانية فى الضفة الغربية المحتلة وقطاع غزة خلال السبعينات أدى إلى نشأة حركة حماس الإسلامية المتطرفة، وأصبحت حماس تمثل تحديا خطيرا فى تحقيق سلام دائم بين الفلسطينيين وإسرائيل؛ نظرا لأن مبادئ حماس تختلف كثيرا من الناحية الأيديولوجية عن سياسة السلطة الفلسطينية وإسرائيل، والأهداف الاستراتيجية الإقليمية للولايات المتحدة، وحاليا تقف الاستراتيجية الأمريكية فى مفترق طرق، فالتصريحات الرسمية لإدارة الرئيس بوش تشير إلى أن انتشار الديمقراطية فى الشرق الأوسط سيؤدى إلى السلام والاستقرار فى المنطقة، وقد دعا بوش -على سبيل المثال- فى خطابه فى فبراير 2005 أمام الكونجرس إلى نشر الديمقراطية فى السعودية ومصر».
ونوهت الدراسة بأن «انتشار الديمقراطية فى الدول العربية يعنى تقويضا أيديولوجيا تدريجيا للأفكار الإسلامية المتطرفة داخل المجتمعات العربية، لكن الأمر يقتضى التعامل مع عملية التحول الديمقراطى بحذر حتى لا تؤدى إلى حالة غير مرغوب فيها من عدم الاستقرار السياسى والاجتماعى داخل الدول العربية أو تتكرر التجربة الجزائرية أو يتجذر التطرف على غرار الثورة الإيرانية 1978-1979، وعلاوة على ذلك، فإن عملية التغيير الديمقراطى ينبغى أن يكون لها مشروع سياسى واجتماعى وثقافى وشرعية دينية، وبعبارة أخرى، يجب أن تبدو العملية الديمقراطية وكأنها نابعة من داخل البلاد، فعند إجراء الانتخابات العراقية عام 2005 كانت العملية الديمقراطية مطابقة تماما لثوابت الدين الإسلامى، والواقع أن الشيعة العرب فى العراق الذين يشكلون غالبية السكان قد شاركوا فى الانتخابات عن طيب خاطر بتوجيه من المرجع الدينى آية الله على السيستانى رغم أنه ليس مرشحا سياسيا، وبالمثل فإن للبنان تاريخا طويلا من الانتخابات يدل على أن مختلف الفصائل الدينية والعرقية والسياسية يمكنها المشاركة فى العملية الديمقراطية فى الدول العربية، هذه الأمثلة تظهر أيضا أن القيادات الإسلامية فى الدول العربية يمكن أن تلعب دورا مهما وتؤثر تأثيرا إيجابيا على مسار الديمقراطية من خلال الإعلان أن الديمقراطية تتوافق تماما مع تعاليم الإسلام.
وحذرت الدراسة أيضا من أن «عمليات التحول الديمقراطى فى الدول العربية سينظر إليها على أنها غير شرعية إذا بدت كنتيجة لمطالب الولايات المتحدة؛ فعلى سبيل المثال كان السبب الرئيسى وراء امتناع شريحة كبيرة من السنة عن التصويت أو المشاركة فى الانتخابات العراقية فى يناير 2005 هو تصور أن العملية نفسها كانت غير شرعية، على أساس أن قوات الغزو والاحتلال الأجنبية والمتعاونين معها قد فرضتها على الشعب، وأخيرا يجب أن يرتكز تنفيذ عمليات التحول الديمقراطى فى دول الشرق الأوسط على وجود حكومات مركزية قوية؛ فهى تستطيع ضمان التنفيذ الناجح والنزيه للمبادرات الديمقراطية والانتقال السلمى والمستقر إلى نظام ديمقراطى، على أن يوضع فى الاعتبار أنه ليس كل الدول العربية فى منطقة الشرق الأوسط تتمتع بسمات محلية متجانسة من حيث الانتماء الدينى، فالشيعة يختلفون عن السنة، وكذلك تختلف الولاءات الإقليمية والقبلية، والحكومات المركزية القوية يمكنها ضمان القدر اللازم من الاستقرار والأمن والحياد، حتى لا تتحول عملية التحول الديمقراطى إلى عدم استقرار وصراع داخلى، ومفهوم الحكومات المركزية القوية فى دول الشرق العربى هو عكس ما كان يفهمه المحافظون الجدد فى وزارة الدفاع الأمريكية فى التسعينات عندما قدموا مقترحات بشأن خطة طويلة الأجل لضمان الأمن القومى لإسرائيل، وتركزت المقترحات على تفتيت الدول العربية، خاصة من العراق وسوريا وإعادة تشكيل خريطة الشرق الأوسط، ومع ذلك، فقد تم تطوير تلك المقترحات عندما كان تهديد القاعدة الاستراتيجى لسياسات وحسابات الولايات المتحدة غير ملحوظ.
وما حدث فى العراق أثبت أن الصراع وعدم الاستقرار فى الشرق الأوسط هو مغناطيس يجذب الإسلاميين المتطرفين سواء كانوا ينتمون للقاعدة أم لا، وتقسيم الدول العربية يعنى بالتأكيد أن تصبح نقاط جذب للإرهابيين، وتوازى التصريحات العلنية للولايات المتحدة عن نشر الديمقراطية فى الشرق الأوسط مع دعواتها لتغيير النظام فى دول مثل سوريا وإيران، يخدم استراتيجية تنظيم القاعدة وأهدافه طويلة الأجل مثل النزاع المسلح المستمر وعدم الاستقرار فى المنطقة، ويمكن أن يؤثر ذلك سلبا على المصالح الجيوسياسية لحلفاء الولايات المتحدة التقليديين؛ فعلى سبيل المثال، لا تزال تركيا تتخوف من نوايا الولايات المتحدة فى المنطقة، ومن إنشاء منطقة كردية تتمتع بحكم شبه ذاتى فى شمال العراق، ولذلك أعدت نفسها للتدخل عسكريا من أجل حماية مصالحها الجيوسياسية».

ليست هناك تعليقات: