الأحد، 2 ديسمبر 2012

. عادل حموده: شباب الثورة يستردونها من عواجيز السلطة والمعارضة





بالمادة «6» من القانون «247»: الحكم بالإعدام أو الأشغال الشاقة المؤبدة على رئيس الجمهورية إذا ما عبث بالدستور!

كى تكتب عن المرأة يجب أن تعرف الكثير عن شجرة التفاح.. وكروية الأرض.. وطقس لندن.. حيث تتناوب الفصول الأربعة فى يوم واحد.

وكى تكتب عن الفاشية يجب أن تختبر الحياة على أرصفه الحزن.. والنوم مع التشنج والتعصب والعنف فى فراش واحد.

وكى تكتب عن الإخوان يجب أن تقرأ فصل «شواء اللحم» فى كتب الطهى.. وتذاكر فنون التنكر فى مناهج معهد الفنون المسرحية.. وتفهم أمراض الفصام والسادية والوسواس القهرى فى محاضرات الطب النفسى.

انتظرنا أن يدخل علينا الرئيس محمد مرسى وفى يده مسبحة أبى بكر الصديق.. ومصحف عثمان بن عفان.. وحكمة على بن أبى طالب.. فإذا به يشهر فى وجوهنا مسدس أودلف هتلر.. وخنجر بنيتو موسولينى.. وسيف أبوالحجاج الثقفى.. توقعنا أن يسترشد بخبرة عمر بن عبدالعزيز.. فيطعم الجائع.. ويوظف العاطل.. ويزوج العانس.. لكن.. فضل عليها خبرة نيرون فى حرق بلاده.. وقتل شعبه.. وتمزيق أمته.. واغتصاب سلطاته.

من تصورناه موسى أصبح فرعونا.. ومن تصورنا ديمقراطيا أصبح ديكتاتوريا.. ومن انتظرنا منه كسرة خبز وكسرة حرية.. لم يقدم لنا سوى فطيرة دم وفطيرة عبودية.

لقد آمن محمد مرسى بجماعة تحرك مرشدها من هم دونه بكلمة واحدة.. يغضبون بالأمر.. ويضحكون بالأمر.. يثورون بإشارة وينامون بإشارة.. صفوف من الروبوت البشرى لا يملكون من أنفسهم شيئا.. فالسمع واجب.. والطاعة فريضة.. والخروج عن ذلك جريمة.

بنفس التركيبة البلاستيكية تعامل معنا محمد مرسى.. فهو ليس رئيسا وإنما مرشد.. ونحن لسنا شعبا.. وإنما أعضاء فى جماعته.. لو لم نسمع ونطع فقد جئنا بكبيرة الشرك.. ولو لم نسكت وننفذ فقد خرجنا من رحمته.. وجنته.. وصرنا نسيا منسيا.. ليس لنا سوى أن نخر ساجدين.. حامدين.. شاكرين.. الكلمة الوحيدة المسموح لنا بها هى كلمة آمين.

كل الكلمات فى قواميس الاستبداد والاستعباد استخدمت.. كل تداعيات الفاشية والديكتاتورية والفرعونية أطلقت.. لم نجد وصفا جديدا يمكن أن نطلقه عن سقط المتاع الذى يسمى الإعلان الدستورى.

لا يختلف اثنان على أن طارق البشرى، قاض يستوعب القانون ويفهم فى السياسة.. وقد شارك فى وضع الإعلان الدستورى الأول الذى جرى الاستفتاء عليه فى مارس 2011.. واعتبر الإعلان الدستورى الوحيد الذى يعتد به.. فقد صدر باختيار الشعب.. اختيارا مباشرا.

لقد قالها طارق البشرى بصراحة وجرأة وخبرة : «ليس من حق الرئيس إصدار مثل هذا الإعلان».. وإصداره نوع من العدم.. أو هو العدم ذاته.

وما لم يقله الرجل إن محمد مرسى يضع الرئيس على رأسه أكثر من قبعة.. ويلعب على أكثر من حبل.. ويرتدى أكثر من ثوب.. فهو مرة يتحدث عن الشرعية الدستورية.. لو كانت هى ورقة اليانصيب الرابحة.. ومرة يتحدث عن الشرعية الثورية.. لو كانت هى المصباح السحرى الذى يحقق له ما يريد.. وهو ما يرفضه المستشار طارق البشرى.. ففى اللحظة التى انتخب فيها رئيسا بالشرعية الدستورية ليس أمامه سوى احترامها وتقديسها والعمل بها.

إن الشىء الذى أصدره واسماه إعلانا دستوريا هو انقلاب على السلطة من داخلها.. وضع به فى يده كل السلطات.. التنفيذية.. والتشريعية.. والقضائية.. والدستورية.. فقد ألغى بجرة قلم مجلس الدولة بتحصين قراراته وعدم الطعن عليها.. وألغى المحكمة الدستورية العليا وغل يدها فى نظر الطعون على مجلس الشورى والجمعية التأسيسية.. وألغى القضاء الجنائى بإعادة محاكمة متهمين سبق الحكم عليهم.. ولا تزال قضاياهم أمام محكمة النقض.. وهدم الفصل بين السلطات بإقالته النائب العام المستشار عبدالمجيد محمود.

لقد انقلب الرجل على الشرعية.. واعتدى على الديمقراطية.. وكرس الديكتاتورية.. مثل ما حدث فى ألمانيا الهتلرية.. وإيران الخومينية.. وطالبان الإرهابية.

خرج لنا مستر هايد يهدد ويتوعد.. يتربص وينتقم.. واختفى دكتور جيكل الذى يسجل على نفسه (فى أرشيف اليوتيوب) دعوة للشعب المصرى الذكى الفاهم الواعى بالتخلص من حاكمه الذى لا يحترم القانون والدستور الذى أقسم على احترامهما.

باختصار ما فعل «سابقة تاريخية».. حسب المستشار طارق البشرى.. تشكك فى شرعية الدستور الذى يكتب.. فقد خرج من رحم حرام.. ليظل ابن حرام.. ولو حظى بموافقة الشعب عليه.

ينصح الطهاة المنحرفون صناع الشواء بإضافة الشطة والتوابل والفلفل الأسود على اللحم الفاسد كى لا يشعر أحد بما فيه من عفن.. ويبدو أن العدوى قد انتقلت منهم إلى طباخى السياسة.. ومستشارى السوء.. فقد أضافوا مكاسب مالية لأسر الشهداء من باب تمرير إعلان الاستبداد.. متصورين أن الشعب فقد حاسة التذوق.. وأنه يمكن أن يبتلع الطبخة المسمومة.. المشمومة.

ولو كانت النية سليمة لأنصاف الشهداء دون استغلالهم فى تغطية الإعلان المريب لكان ذلك سهلا.. أن يستخدم الرئيس سلطته التشريعية الموجودة فى يده لغياب مجلس الشعب فى إصدار القوانين اللازمة.. دون إحراج.

ولو عاد الشهداء إلى الحياة لرفضوا أن يكون معاشهم الاستثنائى ثمنا للحرية التى دافعوا عنها.. وماتوا فى سبيلها.. إنهم ليسوا بضاعة فى سلسلة سوبر ماركت الإخوان «زاد».. تشترى منها اثنين.. وتحصل على الثالثة مجانا.. أو تشترى واحدة منها وتحصل على كيس مكرونة.

وما إن وقعت الفضيحة.. والجريمة.. والمصيبة حتى خرجت ميليشيات التبرير.. والتمرير.. تحاول جاهدة أن نبتلعه.. ونهضمه.. ونخرجه.. بوضع «شربة الملح» فى قطعة شيكولاتة.. فحسب ما سمعنا.. الرئيس يريد أن يبنى مؤسسات الدولة.. الرئيس يواجه مؤامرة خفية.. الرئيس يأخذ هذه الصلاحيات غير المهضومة بصفة مؤقتة.. بعدها سيأتى الفرج.

مؤسسات الدولة إذا لم تبن على قواعد دستورية سليمة فإنها ستكون مجرد مبان بلا معان.. ويكفى خمس دقائق مدة مؤقتة من السلطة المطلقة كى تصبح مزمنة.. دائمة.. مؤلمة.

لقد أحزننى سقوط أساتذة علوم سياسية فى بئر الخيانة.. خيانة دروس الحرية التى تعلموها فى كلية الاقتصاد والعلوم السياسية على يد بطرس غالى وحامد ربيع وعمرو موسى وزكى شافعى.. كيف سيواجهون طلابهم وهم يقفون فى صف الوحشية الرئاسية؟.. كيف ينامون لو كانت ضمائرهم الأكاديمية لاتزال صاحية؟.

إنهم مثل طبيب ينحاز للسرطان.. ورجل أمن يساعد لصوص الليل.. وواعظ دينى يدعو للرذيلة.. بل هم أخطر منهم.. وأشد ضراوة.. فهم يدمرون دولة.. ويخضعون أمة.. ويحطمون ثورة.

لو كان جمال عبدالناصر، وجد مثقفا واحدا حذره من مقدمات يونيه 1967 ما وقعت الهزيمة.. ولو كان أنور السادات وجد مثقفا واحدا حذره من تصنيع الجماعات الإرهابية ما قتل فى أكتوبر 1981.. ولو استمع حسنى مبارك لكل من حذره من التوريث لما خلع فى فبراير 2011.. ولو تذكر محمد مرسى الثمن الذى دفعه من سبقوه بسبب تضليل المستشارين لتراجع عن مصير لا يليق ينتظره فى جميع الأحوال.

لكن.. لا الحاكم يتعلم مما فات.. ولا المثقف الانتهازى أيضا.. أما الشعب الفقير المعدم المقهور المظلوم الذى يكمل عشاءه صلاة فليس له سوى الصبر على جار السوء.

وما أحزننى هو انتقال شيوخ المجلس الأعلى للقضاء لمقابلة الرئيس الذى أهان القانون الذى يحمونه.. وكسر الدستور المكلفون بالدفاع عنه.. وقبولهم بجراحة تجميل فاشلة جرت لإعلان قبيح.

لقد انقسم القضاء كما انقسمت مصر.. وتشاجر أبناء المهنة الواحدة بنفس الحماس الذى انفرط به عقد الأمة.. واختلطت دماء الإخوانى والليبرالى.. وكلها فى رقبة محمد مرسى.. فهل يحاكم بنفس حيثيات سجن محمد حسنى؟.. أم أن القانون لا يطبق إلا على من ذهب وسقط؟.

لكن.. لم تفقد الغالبية العظمى من القضاة وحدتهم وقوتهم.. وتجمعوا فى جمعية طارئة دفاعا عن استقلالهم.. ومسحا لإهانتهم.. وحماية لعدالتهم.. كانوا على قلب رجل واحد.. وراء المستشار أحمد الزند.. القائد.. الجرىء.. الشجاع.. الواضح.. الصريح.. بما يؤهله لقيادة أمة.. ورئاسة دولة.. وهى أوصاف ستكثر السكاكين حوله.. وستقرب الخناجر من ظهره.

كانت القرارات واضحة.. تعليق العمل بالمحاكم.. حل الجمعية التأسيسية.. عودة النائب العام المستشار عبدالمجيد محمود.. مناشدة النائب العام الجديد المستشار طلعت عبدالله أن يتنحى عن منصبه.. التضامن مع ميدان التحرير.. الاعتصام.. اللجوء إلى القضاء لإسقاط الإعلان الدستورى إذا لم يتراجع الرئيس عنه.. إلزام المجلس الأعلى للقضاء بهذه القرارات وإلا سحب الثقة منه.

وهتفت القاعة التى ضمت نحو عشرة آلاف قاض فى نفس واحد: «الشعب يريد إسقاط النظام».. «هو يمشى مش هنمشى».. وتكررت الهتافات نفسها فى جمعية نقابة الصحفيين وغيرها من النقابات المهنية.

لم تعد القضية إعلانا دستوريا باطلا صادر عن غير ذى صفة وإنما أصبحت شرعية الرئيس نفسه.. لقد حنث بيمين احترام القانون والدستور.. وتجاوز الاتفاقيات الدولية لسيادة حقوق الإنسان واستقلال القضاء.

وحسب المادة السادسة من القانون رقم (247) لسنة 1956 الخاص بمحاكمة رئيس الجمهورية والوزراء فإنه «يعاقب رئيس الجمهورية بالإعدام أو الأشغال الشاقة المؤبدة أو المؤقتة إذا ارتكب عملا من أعمال الخيانة العظمى أو عدم الولاء للنظام الجمهورى.. وتعتبر عدم الولاء للنظام الجمهورى.. الأفعال الآتية: (أولا) العمل على تغيير النظام الجمهورى إلى نظام ملكى.. (ثانيا) وقف دستور الدولة كله أو بعضه أو تعديل أحكامه دون اتباع القواعد والإجراءات التى قررها الدستور».

وحسب المادة الأولى من القانون نفسه: «تتولى محاكمة رئيس الجمهورية والوزراء محكمة عليا من اثنى عشر عضوا.. ستة منهم من أعضاء مجلس الأمة (مجلس الشعب فيما بعد) يختارون بطريق القرعة وستة من مستشارى محكمة النقض ومحاكم الاستئناف يختارون بطريق القرعة أيضا من بين مستشارى محكمة النقض وأقدم ثلاثين مستشارا من محاكم الاستئناف.. ويختار بطريق القرعة كذلك.. عدد مساو من أعضاء مجلس الأمة (مجلس الشعب).. والمستشارين بصفة احتياطية».

هذا هو القانون الذى عرفت من المستشارين الذين قابلتهم فى نادى القضاء أنه لا يزال ساريا.. بل وأعطونى نسخة ضوئية منه.

الحسنة الوحيدة لما جرى هو التوحد الفورى لقوى المعارضة الوطنية المتشحة بالدستور ضد القوى الفاشية المتاجرة بالدين.. محمد البرادعى.. عمرو موسى.. حمدين صباحى.. محمد أبوالغار.. عبد الجليل مصطفى.. السيد البدوى.. كلهم تقدموا المسيرة يدا بيد.. كتفا بكتف.. فيما يسمى بالجبهة الوطنية للإنقاذ.. كلهم عادوا إلى الميدان وراء الشباب.. أصحاب الثورة الذين قرروا استردادها ممن سرقوها.. من عسكريين وفاشيين وانتهازيين وطبالين وزمارين ومثقفين عجزوا عن استيعاب حقيقة ما جرى فى 25 يناير.

لقد هتفوا بالحرية السياسية والعدالة الاجتماعية.. جمعوا ما بين اللقمة والديمقراطية فى مطلب واحد.. وأشعلوا ثورتهم حسب هذه الملفات.. بعيدا عن ثورات الأزمنة السابقة التى تفجرت على أسس طبقية أحيانا.. وأسس ليبرالية أحيانا أخرى.

لقد عدنا إلى نقطة الصفر.. ولكن.. مع حاكم مختلف فى الاسم والشكل والانتماء.. دون تغيير يذكر فى التسلط وتجميع السلطات ونسيان مطالب الأمة واللعب على نفس حبال القوى الخارجية وتنفيذ مشيئتها.

عدنا إلى لحظة المصير.. نكون أو لا نكون.. نعيش أو نموت.. نبقى أم نندثر.. نقاتل أم نستسلم.. لكن.. الفرق الوحيد هنا أن القيادة فى يد من يستحقها.. ومن مات فى سبيلها.. شباب التحرير.. ومن يعترض عليه العودة إلى فراشه.. ووضع بطانية الصوف على ركبتيه حماية لروماتيزم المفاصل وشرب الشيح البابونى والفرجة على ما يحدث فى التليفزيون.
 

ليست هناك تعليقات: