السبت، 3 يوليو 2010

وحدتك أبي... عزاءٌ لكروبنا

بقلم:القمص متياس نصر
مررت بوعكة صحية عنيفة - مثلها مثل الكثير مما يمر به البشر جميعًا- غير أنها فرضت عليّ أن أمكث - حينًا- بفراشي، وكم من علل ربطت ذويها بأسِرَّتهم، وغالبًا ما تأت تلك النوائب -التي يجد المرء نفسه أقرب ما يكون للمصير الحتمي لجميع البشر- ليراجع نفسه وخططه، عله يحظى بتوبة صادقة ينال بها رضى العلي.
غير أنني - في كربتي- وجدت نفسي ملقىً على فراشي ، غير قادر على ممارسة إلا ما لا يحتاج إلى تركيز أو مجهود يذكر، فوجدتني - عن دون قصد - أفكر في نزيل زنزانته، البريء، القابع في صمته البليغ ، والمستكين في طاعة عمياء لم سمحت له به السماء، إنه أبونا متاؤس وهبة الكاهن الفاضل الذي ما وهنت الأحداث تتوالى بعضها تلو البعض، وتحدوها الحدة أن تنسينا إياه، ولكن هيهات أن ننساه.

وجدتني أفكر مليًا في حاله وكيف يقضي وقته قابعًا بين جدران زنزانته الأربع؟! وكيف يتعامل مع مشاعر الإحساس بالظلم؟! كيف تمر عليه اللحظات والساعات فالليالي والأسابيع؟! وكم هي ثقيلة؟! إن كنت لم أحتمل – لخطبي - القليل منها!! كيف يقضي وقته وحيدًا دونما رفيق -ولست أقصد رفقة الحبس- بل وحدة الموقف، لاسيما مع انفضاض المتحمسين فجأة، وانصراف المدافعين لقضايا ستعود بهم إلى دائرة النور، وانشغال الرؤساء بما تشغلهم به السياسات عن قصد أو دون، ولعلكم قد نُسِيتم -بضم النون- جراء تراكم الخطوبِ على ذاكرة أمة نالت من ذاكرتها الخطوبُ، وقادتها النخبة حسبما تقاد النخبة بخيوط يحركها من هم خلف الكواليس.
ألهمني أبي.. كيف تقضي وحدتك لتقضي على وحدتك؟! هل تفكر في أننا - في خيانة شنعاء- تركناك تتجرع وحدك مرارة الوحدة، وتكاتفنا على إقناعك بأن تراجع مواقفك، لعلك تثوب وتشعر أن ما كنت تحسبه صوابًا كان خطًأ، وما عليك إلا أن تصوب موقفك باقتراف الخطأ، لتحيى - كمعظمنا- في سراب الصواب، لتسقط – أخيرًا - في مستنقع الخطأ؟!
هل بات فكرك الجريء مسالمًا إلى الحد الذي جعلك - في توقك للخروج قريبًا- تحلم بأن ترضي- وهيهات أن تستطيع- الجميع، فتبيع عبوديتك للملك المسيح بأبخس الأثمان؟! أراك تتمتم: " إن كنت بعد أرضي الناس فلست عبدًا للمسيح" (غل1: 10).
هل جعلتك وحدتك تعيد على نفسك ما كنت تستمع إليه من البعض (مَن كانوا!(، ففكرت - في خجل- أن تعيد منهج خدمتك، وأسلوب رعايتك، بما يتناسب والنوائب التي عانيت ؟! أرى عينيك ترقمني – بغضبة - أراحتني، وفي إصرارها تقنعني : " لَسْتُ أَخْجَلُ، لأَنَّنِي عَالِمٌ بِمَنْ آمَنْتُ، وَمُوقِنٌ أَنَّهُ قَادِرٌ أَنْ يَحْفَظَ وَدِيعَتِي إِلَى ذَلِكَ الْيَوْمِ" (2تي1: 12).
هل تفكر حينًا وتسرح بذاكرتك في أيام تعبك وخدمتك المباركة التي كنت فيها لا تتوان عن مساعدة الجميع، بينما الآن تركك الكلُ، وتشعر أنك كنت تظلم ذاتك، أو تبالغ في خدمة انفردت فيها عن ذويك ، والقليل - بل النادر فقط - من الرعاة يقبلها لخطورتها ووعورة مسالكها، فيحسدك "الكذاب"، لتقرر - ولو في نفسك- أن تتنازل عن هذه الوزنة – وحدها فقط - لتعاود خدمتك بسلام؟! ولكن إذ الضرورة موضوعة عليك فماذا ستفعل؟! أعرف أناسًا بدءوا بالروح وفي حماسهم دفعوا مثلك الثمن باهظًا، لكنهم الآن هانئون، مكتفون وقانعون بما يخدمون، وقد طمروا تلك الوزنة -عن طيب خاطر- وهم الآن مستريحون من وخز ضمائرهم، وخالون البال، بل وتأكدوا من سلامة القرار ممن يحتسبون "أعمدة". فهل تراك ستفعل مثلهم؟!
لم أتشرف - وكم كان يشرفني- أن ألتقي بقدسكم من قبل، ولست أدرك سر العلاقة -بل أستميحكم عذري- لو قلت "الرباط" الذي يربطني بكم!! أوتدري أبي.. أنكم كنتم سبب انقضاض مضجعي يومًا؟! أما الآن - فبحقٍ- إن وحدتك أبي ... هي سر عزائي وسلواي في كروبي التي آلمتني أخيرًا... قبلاتي لليدين اللتين مازالتا - في قيودهما- تحملان القدير.

ليست هناك تعليقات: