الاثنين، 17 سبتمبر 2012

صلاح عيسى يكتب فضيحة تاريخية في كتابة الدستور







فى 24 يوليو الماضى كتبت على صفحات الأهرام مقالاً بعنوان «حرية الصحافة فى مناقشات تأسيسية الدستور» ألفت فيه النظر إلى المثالب التى وردت بنصوص المواد المتعلقة بحرية الصحافة، كما انتهت إليها لجنة الحقوق والحريات العامة بالجمعية التأسيسية لوضع الدستور، والتى تتناقض تماماً مع المقترحات التى تقدمت بها نقابة الصحفيين وتقدم بها المجلس الأعلى للصحافة.


كان من بين هذه المثالب أن النصوص كما صاغتها «حريات التأسيسية» قد أعادت عقوبة الحبس فى جريمتى القذف والسب، مع أن هذه العقوبة كانت قد استبدلت بالغرامة، ضمن التعديلات التى أدخلت على قانون العقوبات عام 2006، بل إن «حريات التأسيسية» وسعت من نطاق الحبس فأضافت إلى الجرائم التى يجوز الحبس فيها، جريمة مبتكرة لا توجد فى قانون العقوبات هى جريمة «النيل من سمعة الأشخاص».
وكان من بين هذه المثالب كذلك، أن لجنة الحريات بالتأسيسية حذفت من المقترحات التى تقدمت بها النقابة والمجلس الأعلى للصحافة، النص على إطلاق حق الأفراد الطبيعيين فى إصدار الصحف، وقصرت هذا الحق على الأشخاص الاعتبارية العامة والخاصة (أى الشركات العامة والخاصة) والأحزاب السياسية، مع أن أساس حرية الصحافة هو عدم تقييد الحق فى الإصدار.
وفى صباح اليوم الذى نُشر فيه المقال، اتصلت بالصديق الدكتور وحيد عبدالمجيد، المتحدث باسم الجمعية التأسيسية لوضع الدستور، لأسترعى انتباهه إلى مخالفة النصوص التى انتهت إليها لجنة الحريات بالجمعية لما اقترحه الصحفيون، وخطورة ما أدخل عليها من تعديلات، خاصة أنه كان عضواً فى اللجنة التى شكلها المجلس الأعلى للصحافة لوضع هذه المقترحات.. فوعدنى ببحث الأمر.
وبعد أسبوع.. وفى 31 يوليو قدم د. وحيد عبدالمجيد إلى لجنة الصياغة فى «التأسيسية» مذكرة يلفت فيها نظرها إلى أن النص الذى انتهت إليه لجنة الحقوق والحريات بشأن إعادة الحبس «نص مبدئى شديد الخطر على الحريات، لأنه يتضمن توسعاً هائلاً وغير منضبط ويعتبر فضيحة تاريخية ونقترح لذلك ثلاثة بدائل وقررت لجنة الصياغة إحالة النص إلى لجنة الحريات لإعادة مناقشته.. وفى اليوم نفسه - كما ذكرت الصحف - قررت لجنة الحريات إعادة النص على حق الأشخاص الطبيعيين فى إصدار الصحف.
ومع أن الجهد الذى بذله د. وحيد عبدالمجيد يستحق التحية، إلا أن مشكلة المواد المتعلقة بحرية الصحافة فى مشروع الدستور لم تحل بعد، فلا أحد يعرف المصير الذى سوف تنتهى إليه المادة الخاصة بإلغاء العقوبات السالبة للحرية فى جرائم النشر، بعد أن أعادتها لجنة الصياغة إلى لجنة الحريات، وهى - طبقاً لما اقترح الصحفيون - تحظر بأى وجه - سواء كان إداريا أو قضائياً - فرض الرقابة على الصحف ووسائل الإعلام أو مصادرتها أو إنذارها أو وقفها أو إلغاءها، وتقصر حق توجيه الاتهام فى جرائم النشر على الادعاء المباشر وتحظر توقيع عقوبة سالبة للحرية فى هذه الجرائم باستثناء الطعن فى أعراض الأفراد والحض على الكراهية أو التمييز بين المواطنين بسبب النوع أو الدين أو العرق، وتجيز استثناء فى زمن الحرب فرض رقابة محدودة ومؤقتة على الصحف.
والأخطر من هذا وذاك، أن «حريات التأسيسية» قد استبعدت النص الذى اقترحه المجلس الأعلى للصحافة بشأن الصحف وأجهزة الإعلام القومية، وهو ينص على أن «تكفل الدولة استقلال الصحف ووسائل الإعلام التى تملكها أو ترعاها عن جميع السلطات والأحزاب السياسية، باعتبارها منبراً للحوار الوطنى بين كل الآراء والاتجاهات السياسية والمصالح الاجتماعية.. وينظم القانون إدارتها على أسس اقتصادية ومهنية وديمقراطية سليمة، ويضمن تعادل حقوق كل الجماعات السياسية فى مخاطبة الرأى العام من خلالها»!! وقيل فى تبرير استبعاد هذا النص أنه يدخل فى اختصاص «لجنة الأجهزة الرقابية والمعاونة» - إحدى لجان «التأسيسية» - لارتباطه بإنشاء «المجلس الوطنى للصحافة» و«المجلس الوطنى للإعلام المرئى والمسموع».
ما ينبغى أن يتنبه إليه الجميع أنه ليس بإنشاء مجلس وطنى للإعلام المرئى والمسموع، وآخر للصحافة، يتحرر الإعلام القومى، فلدينا بالفعل اتحاد للإذاعة والتليفزيون ومجلس أعلى للصحافة، ولكن ذلك لم يكفل استقلال أو تحرير أو مهنية الإعلام المملوك للدولة، ولابد أن يتضمن الدستور نصاً يكفل له ذلك، ومكان هذا النص هو الباب الخاص بالحريات والحقوق العامة، وليس أى باب آخر من الدستور!
ما يدهشنى أن ما يجرى داخل تأسيسية الدستور من مناقشات تتعلق بهذا الشأن، لا تثير اهتمام المعنيين بحرية الصحافة والإعلام، سواء كانوا من أعضاء التأسيسية أو من الصحفيين والإعلاميين داخلها وخارجها، على الرغم من أن شواهد كثيرة تؤكد أن داخلها اتجاهاً قوياً معادياً للحريات عموماً، ولحرية الصحافة والإعلام خصوصاً.
ويا أسيادنا الذين فى كوكب الصحافة والإعلام: صحوا النوم
المصدر: المصري اليوم

ليست هناك تعليقات: