يشرح حالتنا تماما
يعد أعلى مقال كتب نقداً ـ أو سبّاً ـ في ذات مبارك التي كانت مصونة ومكرمة بل مؤلهه
أشعر بالعار لأن "مبارك" رئيس لمصر، وهو لا يعرف قيمتها، ولا أقدارها، ولا جغرافيتها، ولا تاريخها، ولا ما ملكت، ولا ما أعطت، وحوّل بلداً هائل الوزن بحجم مصر إلى "عزبة" بالحجم العائلي.
أشعر بالعار لأن "مبارك" رئيس لمصر، وهو الذي لا يملك من الرئاسة مؤهلاتها، فلا فوائض عقل، ولا زاد من بصيرة، ولا حس بالسياسة، ولا شرعية حتى بالخطأ أو بالباطل، فلا هو ديكتاتور ذو رؤية، ولا منتخب ديمقراطياً، بل هي الصلافة المحض، وتناحة الروح، وجلافة اللغة، والتصريحات المفرطة في الغياب الذاهل على طريقة "البتاع ده"!
أشعر بالعار لأن "مبارك" رئيس لمصر، وهو لا يخلص لدم، ولا يستذكر نسباً لأمة، ويتصرف كموظف أرشيف، أو كأمين مخازن زاغت مفاتيحه، جاءت به الصدفة إلى رأس بلد كان تاج الرأس، وانتهى به إلى بلد بالصدفة، انتهى بنا إلى مقالب نفايات، وبواقي فساتين، وبقايا صور وأكواب مهشمة، وتراب يثقل القلب، وجعلنا نشعر بالخجل من اسم مصر، فقد حوّل علوّنا خفضا، ونزل بنا من حالق إلى الفالق، فلا مكانة ولا دور، ولا كرامة من أصله، ولا فرصة للمقارنة إلا مع دول من نوع "جيبوتي" و"الصومال" و"بوركينافاسو"، ففقرنا من فقرهم، وبؤسهم من بؤسنا، ومهانتنا من مهانتهم، نكاد لا يرانا أحد كما لا يراهم احد، وقد يكون لهم عذرهم، ولنا العذر بالرئيس الذي هو أنكى من العذر بالجهل.
أشعر بالعار لأن "مبارك" رئيس لمصر، وهو الشخص الذي كانت غاية أحلامه منصب سفير في بلد "الأكسلانسات"، أو رئيس لشركة طيران، وانتهى بالبلد إلى مزاد البيع في سوق "الأكسلانسات"، وانتهى بأهلها إلى محطات انتظار لطائرة مخطوفة، انتهى بالبلد إلى مخزن أمتعة، وانتهى بأهلها إلى جثث لا بشر، فلا تقابل مصرياً من السواد الأعظم إلا وتجده بئراً لِهمّ، أو موضوعاً لاستهانة، أو جنازة تمشي على قدمين، أو عيناً تائهة في خراب سماوي، أو كتلة من البلادة والتيبس الشمعي، تماماً كوجه الرئيس المبيّض كأنما المحارة!
أشعر بالعار لأن "مبارك" رئيس لمصر، وهو الذي جعل غالب أهلها أذلة، وطرداء يسكنهم الخوف، وسجناء في هياكل عظمية، إن صرخ أحدهم ففي السر، وكأنه يخشى أن يقول الآه، كأنه يخشى إن تنفس أن تنخلع روحه، فقد محا آدميتهم بأستيكة، أورثهم الفقر الذي يورث الكفر، وجعل أغلى مناهم مجرد البقاء على قيد الحياة، أو الفرار بالجلد من سلخانات السحل العمومي، أو الالتحاق بالفرقة الناجية من وباء السرطانات والفشل الكلوي والكبدي، والمصري المحظوظ هو الذي لا ينتهي إلى معتقل أو تلجئه الظروف إلى قسم شرطة، أو إلى خانة الاختفاء القسري، أو الصلب في زنزانة، أو الدوس بالحذاء، أو الصعق بالكهرباء، أو اغتصاب زوجته أو ابنته "ولا من شاف ولا من دري"، ولا من حاكم ولا من عدل، فالظلم في مصر بالجملة لا بالقطعة، الظلم في مصر فرض عين لا فرض كفاية، والقاتل الظالم معروف بالاسم، ويكفي أن تنظر فوقك وتقرأ المعوذتين.
أشعر بالعار لأن " مبارك" هو رئيس لمصر، وانتهى بما كان مجتمعنا إلى غابة وخرابة، فلا قانون سالك إلى قانون النهب، ولا صوت يسمع إلا صوت الشفط، والتجريف، والمليارات مقامات وأضرحة، والقطط السمان في لمح البصر تحولت إلى حيتان، وكأنها عملية ابتلاع بلد، وعملية إخلاء إداري لمجتمع كان، إخلاء إداري بالهجرة من المكان، طلباً لرزق أقرب إلى التسول، وإخلاء إداري بالهجرة في الزمان لملاجئ العودة الدينية، فلا قيمة لعقل، ولا حق لعمل، ولا دور لتصنيع، ولا أثر لتحديث، ولا محل لطبقات، بل هو الانفجار المحض للغرائز البدائية الأولى، والأيادي الممدودة بالعوز طلباً لرحمة، أو ترضية من الذي لا يرحم، ولا يشبع.
أشعر بالعار لأن " مبارك" رئيساً لمصر، فهو يستحق أن يحاكم لا أن يحكم، أن يفزع لا أن يفزعنا، أن يعزل لا أن يسأل، أن تذهب ريحه لا أن يذهب باسم مصر، لها المجد في العالمين، نعم يا "مبارك" أشعر بالعار لأنك الرئيس، أشعر كأني أريد أن أتقيأك.!
عبد الحليم قنديل
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق