الاثنين، 23 أبريل 2012

شريعة بلا عدل


إبراهيم عيسى
لا نسمع كلمة العدل إلا وتقفز إلى مخيلتنا سيرة عمر بن الخطاب، رضى الله عنه، شئنا أم أبينا، فلا يوجد غيره، وأى شيخ أو واعظ أو داعية تليفزيونى حين يحدثك عن عدل الإسلام وعدالة الدولة الإسلامية لا يجد اسما لأى حاكم على مدى ألف وأربعمئة سنة إلا عمر بن الخطاب، والعشر سنوات وشوية التى حكم فيها، بينما يخلو التاريخ الإسلامى على مدى هذه القرون الطويلة البعيدة من نموذج ومثال إلا عمر (ومعه عمر بن عبد العزيز الذى تمثَّل سياسة جده الفاروق واستمر حوالى عامين أو أكثر قليلا فى الحكم).
هل سمعتم يوما واعظا أو داعية يحكى عن عدل معاوية أو عن عدالة أبو العباس عبد الله السفاح (خليفة المسلمين فى العصر العباسى)؟
هل رأيتم شيخا أو مرشحا إخوانيا يتكلم عن عدالة الأمين أو المأمون مثلا، أو عن عدالة عبد الملك بن مروان؟
هل كلمكم الشيخ حازم أبو إسماعيل عن عدل محمد الفاتح أو سليم الأول أو عدالة السلطان عبد الحميد العثمانى؟
إطلاقا، إذن هل فكَّر السادة الدعاة والمرشحون الإسلاميون فى إجابة عن هذا السؤال لجمهورهم؟ أين عدل الشريعة الإسلامية إذا كانت تطبق على مدى ألف وأربعمئة وثلاثين عاما وليس لدينا مثل ونموذج إلا فى عشر سنوات فقط ولحاكم صحابى واحد فقط؟
لا يتوقع أحد أن تطبيق الشريعة فى مصر إذا ما نجح الإسلاميون فى السيطرة على البلد يعنى إقامة العدل، ربما يعنى إقامة حد قطع اليد، لكن ليس هذا العدل.. بل وليس العدل إطلاقا!
كثيرا ما تسمع مطالبات حارة ومتحمسة لتطبيق الشريعة الإسلامية، وترى فريقا واسعا من الناس يقول إن سبب بلائنا وأُس مشكلاتنا أننا بعدنا عن الله، إذن كيف نقترب من الله؟
بأن نطبق شرع الله؟ معظم هؤلاء الطيبين لا يعرف أساسا معنى الشريعة ولا موادها أو مقاصدها، ولكنه يسمعها هكذا ويراها تقربا من الله، فيطالب بها وينساق وراء هذه الدعوة من باب تدينه وتسليمه لله عز وجل «أو ادعائه ذلك»، دون أن يبحث عن الشرط الأهم فى تطبيق الشريعة، وهو العدل!
الشريعة الإسلامية أبعد من مجرد الحدود، وهذا الدمج من كثيرين حولنا بين الشريعة والحدود، كأن الشريعة حدود فقط، دمج متعمد ومقصود حتى لا يسأل المسلم عن حقيقة الشريعة، ثم تحقيق الشريعة لمقاصدها وأهدافها، ثم شرط تطبيقها، وقد جزم العلَّامة ابن القيم بأن «الشريعة مبناها وأساسها على الحكم ومصالح العباد فى المعاش والمعاد. وهى عدلٌ كلها ورحمة كلها ومصالح كلها. فكل مسألة خرجت عن العدل إلى الجور وعن الرحمة إلى ضدها، وعن المصلحة إلى المفسدة، وعن الحكمة إلى العبث، ليست من الشريعة وإن أُدخلت فيها بالتأويل…».
أما التعمية والتغمية التى نحياها بتصورات زرعها فينا وعاظ السلاطين وفقهاء السلطة وشيوخ منصر إلباس الحق بالباطل فهى التى تسهم فى تخلفنا وانحدارنا ليس بسبب البعد عن الدين، بل البعد عن الدين الحقيقى، فالحاصل أن العالم الإسلامى على مدى تاريخه يعيش بدينين وليس بدين واحد، الدين الحق من ناحية والدين السلطانى أو الملكى أو الرئاسى من ناحية أخرى، وهو الدين الذى يتم تفصيل شريعته ومفاهيمه وأهدافه، بل وشعائره لخدمة المستبدين الفسقة، بينما الدين الحق الذى خرج من قلب وجوف رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، هو محفور فى قلوب البعض ومردوم عليه بسنوات القمع والطغيان، وليس أدل على ذلك من وجود دول عربية تطبق الشريعة «التى هى عندهم الحدود فقط» وهى فاقدة أهلية التطبيق وينتشر فيها العدوان والبغى والظلم، كما حدث منذ مئات السنين على مدى تاريخ الأمة الإسلامية، فقد كانت الدول الأموية والعباسية والمملوكية والعثمانية تطبق الحدود وتجلد وتقطع اليد وترجم، ولكن هل كان فيها عدل وحرية؟ هل كانت فيها مساواة وعدالة؟
إطلاقا، بل تحولت حدود الله إلى حدود الملك وأمير المؤمنين، وامتلأت السجون بالمظلومين، والمدن بالمظالم، وقطعت رقاب المعارضين، وقطعت الأيدى بالبطش والعتوِّ، وتم رجم الشرفاء والأشراف، وحرقت بيوت، وهُدِّمت صوامعُ يُذكر فيها اسم الله، تحت شعار وعنوان تطبيق شرع الله!
العدل قبل تطبيق الشريعة، والعدل شرط الشريعة، بل العدل هو الشريعة حتى وإن خلت من قطع يد سارق أو جلد شارب خمر!
العدل هو شرع الله، فمَن ظلم فقد أسقط شرع الله، هذا ما نعرفه.
فليقطعوا أيدى من يشاؤون ويجلدوا من يريدون ويرجموا ويقتلوا هذا وذاك، لكن لا يعنى كل هذا أنهم يطبقون شرعا أو شريعة!





التحرير

ليست هناك تعليقات: